منع مَن يريد أن يعلم أبناءه في التعليم المشترك من ذلك لا يمت للديموقراطية بصلة، بنفس الدرجة التي يجب ألا يُمنع مَن يرغب في التعليم المنفصل من تحقيق ذلك وإلا فإننا نخل بمبدأ أن للفرد الحق، ضمن إطار الدستور، في اختيار ما يشاء.بتاريخ 12/9/2007 كتبت مقالاً تحت عنوان «التعليم المشترك وليس الاختلاط» بينت فيه التشويه المتعمد للتعليم المشترك عندما يسمى بالاختلاط، وقد ذكرت في هذا المقال أن وصف التعليم المشترك بالاختلاط هو إساءة مقصودة للتعليم المشترك ليس فقط من الناحية اللغوية، بل من الناحية الاجتماعية-السياسية أيضاً. فالطلاب والطالبات في التعليم العالي لا يختلطون بعضهم ببعض، بل هم يشتركون في التعليم كأفراد أحرار متساوين.
وأضيف هنا إلى أنه منذ صدور القانون رقم 24 لسنة 1995 الذي ألزم الحكومة بتطبيق منع التعليم المشترك في الجامعة والتعليم التطبيقي والتدريب والتعليم في المدارس الخاصة وكذلك القانون رقم 34 في عام 2000 الذي يتعلق بمنع التعليم المشترك في الجامعات الخاصة، لم يتجرأ أي طرف سياسي لأسباب سياسية واجتماعية على المطالبة بإلغاء هذين القانونين بالرغم من تعثر تطبيقهما، كما لم تكن هنالك دراسة تقييميه لما ترتب عليهما من آثار على المستويات جميعها كالتربوية والسلوكية والمالية مثلاً. وللأسف... فإن الحكومة لم تقم بالطعن في عدم دستوريتهما حتى عندما ورد ذكرهما أثناء الاستجواب الأخير لوزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي .
والآن بعد المبادرة الجريئة التي طرحها نواب التحالف الوطني الديموقراطي من خلال التقدم باقتراح بقانون لإلغاء قانوني منع التعليم المشترك، فإنه حري بجميع المؤيدين للمجتمع المدني الديموقراطي بالوقوف مع هذا الاقتراح، لماذا؟
ببساطة، لأن قانوني منع التعليم المشترك اللذين صدرا عامي 1995 و2000 يتنافيان مع ثلاثة مبادئ ديموقراطية ودستورية على الأقل، هي: مبدأ حرية الاختيار، ومبدأ حق الأقلية في ممارسة حقوقها الدستورية، ومبدأ التعددية الفكرية والسياسية.
فمنع مَن يريد أن يعلم أبناءه في التعليم المشترك من ذلك لا يمت للديموقراطية بصلة، بنفس الدرجة التي يجب ألا يُمنع مَن يرغب في التعليم المنفصل من تحقيق ذلك وإلا فإننا نخل بمبدأ أن للفرد الحق، ضمن إطار الدستور، في اختيار ما يشاء.
أما حجب حق الأقلية في التعبير عن وجهة نظرها وممارسة حقوقها الدستورية، فإنه يخل بأهم مبادئ الديموقراطية ويحولها إلى دكتاتورية الأغلبية. فإن كان صحيحاً أن الغالبية البرلمانية تؤيد التعليم المنفصل، فإن عليها، التزاماً بالديموقراطية، أن توفر الضمانات اللازمة التي من خلالها تستطيع الأقلية أن تمارس حقوقها.
ولنأخذ بريطانيا البلد الديموقراطي العريق مثالاً هنا.. ففي التعليم ما قبل الجامعي تحديداً فإنه إلى جانب التعليم المشترك الذي توفره الغالبية العظمى من المدارس الحكومية والخاصة، فإن هناك مدارس خاصة منفصلة، وحق الاختيار متاح لمَن يريد أياً منهما. ليس ذلك فحسب، بل إنه من حق الأقليات المسلمة وغير المسلمة أن تنشئ مدارس خاصة لأبنائها ذات تعليم مشترك أو منفصل بحسب رغبتها وقيمها الخاصة بما لا يتنافى، بالطبع، مع الأطر الدستورية العامة للمجتمع البريطاني.
وفيما يتعلق بمبدأ التعددية الفكرية والسياسية الديموقراطي فانه يعني وجوب ألا نفرض لوناً واحداً على الجميع في أي شيء بما في ذلك نوعية التعليم الذي يختاره أولياء الأمور لأبنائهم.
فالمقصود إذن، إن كنا نؤمن بالديموقراطية وبالمجتمع المدني فعلاً، هو أن يُعطي الحق للجميع في الاختيار. فمَن أراد التعليم المشترك لأبنائه يجده، ومَن أراد تعليمهم في مدارس أو كليات منفصلة فباستطاعته أن يحقق ذلك.