المشكلة يا سادة، ليست مع دمشق ولا مع طهران، فلو ظننتم للحظة أنكم قادرون على فك التحالف بينهما، بل لو تمكّنتم جدلاً من فك التحالف بينهما فعلاً! فهل نسيتم أن طهران قبل أن تكون طهران التي بين ناظريكم قد كانت بيدكم قبل أن تعود أو تستعاد من قبل أهلها؟! أو هل نسيتم أن دمشق ومعها بيروت وقبلها بغداد كانت ساحات لمخططاتكم وفلكاً من أفلاككم في التاريخ غير البعيد؟! ثمّة من كان قبل أنابوليس وفي أثنائها -وصار بعدها ربما أكثر- يراهن على ما يسميه بعزل إيران وحليفاتها من القوى العربية الممانعة التي صُنّفت بالراديكالية، ومن ثم بتفكيك المحور السوري-الإيراني، وبالتالي على عزل المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وحشرهما في الزاوية الحرجة، وجعلهما يستسلمان لضغوط ما يسمونه زوراً وبهتاناً بالمجتمع الدولي، وفي الحقيقة ما هو بالمجتمع الدولي إنما المحور الإسرائيلي–الأميركي الذي يطالب منذ مدة بتفكيك المقاومات في المنطقة كلها، وضرب كل جيوبها بكل أشكالها السياسيّة والمجتمعيّة والثقافية فضلاً عن العسكرية، وكل ذلك من أجل حماية أمن إسرائيل وإبقاء الموارد النفطية والغازية والمائية تتدفق بسلاسة وبكلفة بخسة ويسر غير مسبوق في شرايين عواصم المتروبول!
وقد ظنّ هؤلاء أن ذلك كفيل بجعل ما يسمونه بالنفوذ الإيراني ينحسر ويتراجع، وبالتالي يصبح لمحور ما يسمى بالاعتدال العربي الموقع والمكانة اللازمين لمحاصرة ما يسمونه التطرف والعنف والإرهاب! حتى يتمكن الإمبراطوريون الجدد من السيطرة على المنطقة، ويكملوا طوق الهيمنة عليها! ونسي هؤلاء أو تناسوا عن عمد أوبهدف التمويه، أنّ مشكلة المنطقة لم تكن يوماً في أنّ سورية لم تجد «حضناً عربياً دافئاً» كما يقول البعض، ولا أنها لم تجد موقعاً يليق بها في المعادلة الدوليّة، كما يقول البعض الآخر، حتى ذهبت إلى طهران لتتحالف معها وتفرش لها السجّاد الأحمر على حساب الأمن القومي العربي كما يروّجون!، كما أن طهران ليست هي من قررت أن «تتمدد» هكذا فوق البساط العربي انطلاقاً من أحلام «إمبراطورية» يصفونها مرة بالإسلامية «المتطرفة» ومرة «بالفارسية المجوسية» وثالثة بالإيرانية «الصفوية»!
«إنّها فلسطين أيها الأغبياء»! التي ترفضون أن تناقشوها في العمق، بل تتحاشوا الاقتراب من جوهرها وتحاولوا تهميشها في السرّ كما في العلن، بينما تتلهون بالحواشي والأطراف ظنّاً منكم أن تقادم الأزمان والأيام سيأتي عليكم بالمراد من الأهداف!
لا يا سادة الكون، وما أنتم بسادته لولا غفلة الزمن العربي والإسلامي الرديء! فمشكلتكم هي مع شعوب المنطقة برمّتها وسكّانها من كل لون وملّة وطائفة وعرق، وما إن تنتهوا من قصّة إلا تدخلوا في قصة أخرى، مادامت هذه القضيّة على جدول أعمال مؤتمراتكم الزائفة لذرّ الرّماد في العيون، وليس من أجل إرجاع الحق المغتصب إلى أهله وتفكيك الكيان الطارئ والدخيل! والمنطقة كلها تشعر بالحيف والظلم والعسف مما حصل ويحصل لهذه القضية المركزية، ومستعدة للممانعة والمقاومة لألف عام إن تطلّب الأمر وأكثر من أجل تعديل الاعوجاج التأريخي الواقع، فضلاً عن أنها لن تسلم مفاتيح مدنها أو حاراتها لأحد مهما تمنطق بالشعارات البراقة أو الادعاءات الموهومة أو اللافتات الكاذبة!
المشكلة يا سادة، ونذكركم مرة أخرى، ليست مع دمشق ولا مع طهران، حتى لو ظننتم للحظة أنكم قادرون على فك التحالف بينهما، وهو أمر مشكوك فيه، بل لو تمكّنتم جدلاً من فكّ التحالف بينهما فعلاً! فهل نسيتم أن طهران قبل أن تكون طهران التي بين ناظريكم قد كانت بيدكم قبل أن تعود أو تستعاد من قبل أهلها؟! أو هل نسيتم أن دمشق ومعها بيروت وقبلها بغداد كانت ساحات لمخططاتكم وفلكاً من أفلاككم في التأريخ غير البعيد؟! أو هل نسيتم كيف أنكم، وفي الأمس القريب فقط، قد ابتلعتم وإن بشق الأنفس لبنان بكامله؟! وكيف أنكم عيّنتم الرئيس الذي تريدون بعدما طردتم منظمة التحرير الفلسطينية منه، وظننتم للحظة أنّ بيروت ودمشق وفلسطين كلها لانت لكم وما لانت لكم، ولكن شبّه لكم؟! ولم يكن يومها لا إيران ولا محور سوري-إيراني ولا مقاومة إسلامية ولا حزب الله ولا هم يحزنون! فهل تتذكرون ذلك جيداً؟! أم أنكم بحاجة إلى من يذكّركم من جديد؟!
والآن وبعد كل الذي حصل لكم في العام المنصرم على يد ثُلّة صغيرة من فتية آمنوا بربهم... من أرض جبل عاملة... وعلى يد ضلع واحد فقط من أضلاع المحور الذي في تفكيكه تفكرون... وبعدما أصبح هذا الضلع هو المدماك والصخرة التي في كسرها تفكّرون... هل لا تزالون فعلاً عن أصل المشكلة تغفلون؟! إن كنتم كذلك فعلا... فقد صار المثل العربي ينطبق عليكم بالفعل «من جرّب المجرّب... عقله مخرّب»!
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني