كيف تحولت صحراؤك الصفراء إلى بحيرة من الفضة؟! وكيف تحولت كثبان نفودها إلى جبال من الذهب، وكيف تراقصت الأشجار البرية وسط بحيرات الماء كطفلات الريح وهن (يلفحن) بشعرهن في صالة من رخام بمناسبة أفراح الطبيعة، وكيف انحنت أشجار الطلح لتقبل أقدام الماء؟

Ad

آنذاك رحت تتطوطح في الفضاء كطائر المطر وأنت تغرد:

(أيا حسنها من رياض غدا / جنوني فنوني بأفنانها

مشى الماء فيها على رأسه / لتقبيل أقدام أغصانها)

تتذكر حينها أنك قلت ذات دهر مضيء:

(حسناً:

إنني بدوي شريد / أعشق الشعر

والزهر / والنسوة الفاتنات / وأهوى التسكع تحت المطر)

لقد كان ذلك أيام الصعلكة وعشق النجوم واحتضان المزن والدوران في فلك المجرات والنوم تحت الفضاء الرحب والغناء مع الريح والإصغاء إلى أنين الأشجار ومشاجرة الهواء، وها إن المزنة تدنو وأنت تشمها بأنف الذئب الوحيد الذي

(يقعى على الحشائش الخضراء / يرنو إلى دخان النفط

ذئب بلا مأوى / ذئب بلا عواء / ذئب لربما ألقت به الرياح

إلى متاهه الفظيع / ذئب بلا قطيع / ذئب لربما تبرأت من جنسه الصحراء)

تدنو المزنة أكثر، تسمع دوي الرعد في الأعالي

تشم حفيفها المتأود في الأثير

فيما تحدق خرافك الصغيرة بالسماء

وتضحك بأسنانها المخضرّة بالعشب

تحت ضياء البرق

آنذاك تلتحم بالمزنة وتضمها إليك وأنت تهجس بتلك التي:

(بدت ثريا قرطها وشعرها / متصل بكعبها كما ترى

يا عجباً لشعرها لما ابتدى / من الثريا فانتهى بالثرى)

تضحك المزنة وترتحل بك عبر الفضاء نحو البراري البعيدة

بينما عباءتها السوداء ترفرف مثل راية في الريح

(بهذا الزمان المخاتل / حراباً تصير السنابل

رماحاً تصير الغصون الأنيقة / تروساً تصير الوجوه الصفيقة

وتغدو الورود قنابل)

يا إلهي، من اقتلع ورود السلام وزنابق أرواحنا ليزرعها في غير منابتها الأولى؟! من أعاد غرسها في حقول القنّب والشر والأفيون، حتى اذا ما سقتها احماض البارود ولدائن الديناميت، واشتد عودها الطري، تحزمت بالقنابل وتدحرجت من هضاب الوهم لتجتاح حقول الحياة لتملأها بالدم والدخان.

يا إلهي لماذا تثير في سماء الإسلام الموت والغبار والعويل، لماذا تنتحر هذه الزنابق البهية في أوج العطاء، من اجل أولئك المتاجرين بالأرواح في سبيل تحقيق مجدهم الشخصي الضئيل، وهم ينأون بأرواحهم عن مكامن الهلاك؟

يا إلهي لماذا تجتاح هذه الورود المقنبلة منابتها الزكية بالحرائق والدمار؟! ولماذا تنفث رائحة البارود بدلاً من عبيرها النفاذ؟!

لماذا لا تكون أشجاراً ظليلة في حقل الأمن والأمان وتمنح المحبة والطهر والبراءة والنقاء، كما يدعو دينها الحنيف؟! ولمَ لا تهب كائنات الارض عبير الإسلام وأريج السلام وتشيع التسامح في سائر الأركان؟!

يا إلهي من غذّى هذه الازهار بالكراهية والحقد وأحالها إلى أشجار متوحشة تتغذى بالدم وتفوح بالرعب وتنشر الخراب؟

يا إلهي من ينقذ فلذات الأكباد من جهلها الذريع وانتحارها الفظيع. بل من يطفىء النار التي اخذت تسري في عباءة الإسلام لتأكله وتأكلنا معه، ونحن نتفرج على هذا المشهد الشنيع؟ يا إلهي، من رأى هذا الذي:

(يمضي كمن يشيل / خروفاً أسود في الليل

عيناه فوهتا مسدس / وقلبه عبوّة

وأنفه فتيل؟! / تفقدوا أنفسكم

لأنه قد مرّ من هنا / فأين القتيل؟!)