الثورة السوداء في باكستان

نشر في 27-04-2008
آخر تحديث 27-04-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت بمجرد توليه لمنصبه في الشهر الماضي، سارع رئيس الوزراء الباكستاني الجديد يوسف رضا جيلاني إلى إصدار الأمر بالإفراج عن القضاة الستين الذين كان الرئيس برويز مُـشَرَّف يحتجزهم منذ شهر نوفمبر الماضي. وهذا يشكل نصراً لحكم القانون في باكستان، ونصراً غالياً للمحامين الباكستانيين الشجعان الذين نزلوا إلى الشوارع احتجاجاً على حالة الطوارئ التي أعلنها مُـشَرَّف في الخريف الماضي.

نظم المحامون المسيرات، وغنوا ورقصوا، وقايضوا حقائبهم بشارات الاحتجاج، بل والبيض والحجارة في بعض الأحيان. وكما كتب أحد أصحاب المدونات الباكستانيين على شبكة الإنترنت: «لقد رقصوا وهو يرتدون معاطف وربطات عنق سوداء. فكانت معاطفهم السوداء بمنزلة بنادق الكلاشنكوف، وكانت ربطات العنق السوداء بمنزلة الطلقات». وفي هذا العالم الذي شهد العديد من الثورات الملونة، فقد اختارت باكستان لون القانون الأسود الرزين لثورتها.

في شهر نوفمبر الماضي أعلن مُـشَرَّف الحرب على المحامين والقضاة، ففصل كل القضاة الذين رفضوا الاعتراف بإعلان حالة الطوارئ، التي زعم أنها تهدف إلى حماية البلاد من الإرهابيين. وكانت المحكمة العليا المؤلفة من سبعة قضاة تحت قيادة رئيسها افتخار محمد شودري قد قاومت القرار بإصدار أمر بمنع الحكومة من إعلان حكم الطوارئ.

عند ذلك سارع مُـشَرَّف إلى حل المحكمة العليا والمحاكم الأربع الأدنى منها، ثم وضع شودري وعائلته بالكامل تحت الإقامة الجبرية في البيت، وحاصر مقر المحكمة العليا بقوات من الجيش، وباشر إلى اعتقال واحتجاز القضاة كلهم الذين رفضوا أداء قسم الولاء للنظام الدستوري الإقليمي الذي تضمن إعلان حالة الطوارئ. وكانت النتيجة احتجاز أغلب القضاة الكبار، فضلاً عن زعماء نقابة المحامين في أنحاء البلاد كافة والمحامين البارزين والناشطين في مجال حقوق الإنسان جميعهم، والذين دافعوا عن استقلال القضاء.

وأثناء الاحتجاجات التي تلت ذلك تعرض المحامون للضرب، والهجوم بقنابل الغاز، والمهانة. لقد وقفوا مع قضاتهم على النحو الذي جعل القضاة المستعدين لأداء قسم الولاء عاجزين عن مزاولة أعمالهم. ويبدو أن حركة المحامين نجحت في دق إسفين تاريخي بين السلطتين القضائية والتنفيذية.

ولكن في باكستان، والولايات المتحدة، وغيرها من البلدان التي شارك فيها المحامون في قيادة المقاومة لصالح حقوق الإنسان وحكم القانون، تختفي خلف عباءة المثل العليا مجموعة من المصالح التي لا تقل أهمية. إذ أن المحامين كانوا يدافعون عن أرزاقهم بقدر ما كانوا يدافعون عن مبادئهم. فهم لا يستطيعون مزاولة أعمالهم بدون وجود القضاة الذين سيفصلون في قضاياهم. ولن يقيم العملاء الدعاوى القضائية ما لم تكن لديهم الثقة في استقلال القضاء إلى الدرجة التي تسمح له بالفصل في القضايا على أساس الحقائق وليس الرشاوى أو الاعتبارات السياسية.

وهذه المصالح تساعد أيضاً في تفسير الأسباب التي دعت المحامين في كينيا إلى الوقوف في الصفوف الأولى بين المحتجين ضد فساد نظام الرئيس دانييل آراب موي في أوائل التسعينيات. إن الفساد يؤدي إلى إهدار أي فرصة لكسب العيش بمزاولة مهنة القانون، التي تصبح حكراً على الأثرياء. إلا أن مصالح المحامين لا تبرز بهذا الوضوح في الأزمات الناجمة عن الصراعات العرقية.

إن التقارب بين المبادئ والمصالح على هذا النحو لا يعني بأي حال من الأحوال الحط من قدر شجاعة المحامين الباكستانيين وأهمية الاحتجاجات التي قاموا بها. ولقد أدرك مؤسسو أميركا، على سبيل المثال، أن المبادئ والمصالح لابد أن يسيرا جنباً إلى جنب. فجاء تصميمهم للديموقراطية الدستورية ليضمن، طبقاً لكلمات جيمس ماديسون «وقوف الطموح في وجه الطموح، وارتباط مصالح الإنسان بالحقوق الدستورية المعمول بها في البلاد».

إن أفضل أساس يقوم عليه حكم القانون يتلخص في بناء جزيرة من الشرعية حيثما دعت الحاجة إليها، سعياً إلى إضفاء الشرعية على الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها- على سبيل المثال، منع الفساد، أو حماية البيئة، أو تطهير النظام المالي، أو تنفيذ العقود مع المستثمرين الأجانب.

وحين تبدأ هذه الجزر في تكوين أرخبيل، تنشأ طبقة الحقوقيين، بدعم من العملاء الذين يحتاجون إليهم. وحين يأتي اليوم الذي يتجاوز فيه أحد القضاة أخيراً الخطوط السياسية، فيتحدث عن حقيقة دستورية أمام قوة مغتصبة، فإن رفض الحكومة للانصياع يهدد مصالح ومبادئ شريحة واضحة ونشطة من المجتمع.

من المنتظر أن تكشف الأسابيع المقبلة ما إذا كانت حكومة باكستان الجديدة تمتلك الشجاعة اللازمة، ليس فقط لإطلاق سراح القضاة المفصولين، بل لإعادتهم إلى مناصبهم أيضاً، وربما الخضوع لسلطانهم القضائي. إذا ما حدث ذلك فلسوف يكون بوسع المحامين الباكستانيين أن يعودوا إلى قاعات المحاكم، ولسوف يحصل المواطنون الباكستانيون على فرصة أخرى لتفعيل الديموقراطية. وإذا ما نجحوا فلربما كان عليهم أن يضيفوا شريطاً أسود إلى جانب الشريط الأخضر الذي يعبر عن الإسلام في علمهم- والأسود هنا لا يرمز إلى الحداد، بل إلى العدالة.

* آن ماري سلوتر | Anne-Marie Slaughter ، عميدة كلية وودرو ويلسون بجامعة برينستون، ومؤلفة كتاب «أميركا كفكرة».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top