في كل مرة أكتب فيها مقالا أذكر فيه مصطلح «الجماعات الليبرالية»، يبرز لي بعدها من يطالبني بتوضيح مقصدي من هذا المصطلح، ويتحداني بسؤال هل هناك تيارات ليبرالية حقيقية في الكويت أم لا؟ وما يريد الوصول إليه في كل مرة هو الإشارة إلى أنه لا توجد لدينا جماعة تمارس الليبرالية الحقيقية في الكويت، وأن أغلب من يتسمون بالليبرالية يحملون الاسم البراق لجماله دون المسمى الذي يحمل معاني التسامح واحترام الآخر والقبول بنتائج الديموقراطية، حتى ولو جاءت ضد المصالح والرغبات الشخصية.

Ad

سأكتفي بالقول إن لعل في الأمر شيئا من الصحة، لكنني سأسمح لنفسي من جديد أن أستخدم المصطلح على عواهنه، لأن تفنيده ليس من ضمن أولويات هذا المقال اليوم، وسأقول إن الجماعات والعقول الليبرالية تنزلق منزلقاً حرجاً عندما تظن بأن الجماعات الإسلامية حجرا أصم لا يتغير ولا يتبدل ولا يتحول، وتخطئ خطأً جسيماً في نظرتها لها بهذا الشكل وفي التعامل معها على هذا الأساس ووضعها جميعاً في سلة واحدة والحكم عليها بنظرة واحدة.

ليست كل الجماعات الإسلامية جماعات متطرفة تسلط السيوف على رقاب العباد، وتحكم على كل الأشياء من حولها من خلال فسطاطي الجنة والنار ولا شيء سواهما. كما أن هذه الجماعات التي لا ينكر أحد بأنه تقف خلفها قواعد شعبية واسعة، بل لعلها الأغلبية الغالبة، هي حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها في هذا الجزء من العالم، لذلك فأي محاولة لعزلها أو لإلغائها أو لتأليب الأنظمة الحاكمة عليها، ستؤدي حتماً إلى زيادة قوتها انطلاقا من قاعدة أن لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه، وستؤدي، وهذا هو الأخطر، إلى دفع هذه الجماعات نحو التطرف إن لم تكن متطرفة أصلاً، أو إلى الإمعان في التطرف أكثر إن كان عندها شيء منه، بمن فيهم تلك الكوادر الأكثر استنارة التي لم تكن متطرفة أصلاً، والتي قد كان يعول عليها لتقديم صيغة إسلامية حضارية تنسجم مع العصر وتساهم فيه بإيجابية.

كإبن للجسد الإسلامي، أستطيع أن أقول واثقاً بأنه ليس لدى كثير من الإسلاميين اليوم مشكلة مع الليبرالية كفكر قائم أو حتى كجماعات سياسية منافسة، إن كانت موجودة أصلا، ولا حتى مع مصطلح العلمانية، بل سأتجرأ على القول إن كثيراً من الليبراليين أنفسهم هم أكثر خوفاً وتهيباً من استخدام هذا المصطلح والإقرار باعتناقه من كثير من الإسلاميين الذين بلغ بعضهم مبلغاً متقدماً من فهم المصطلح ووضعه في سياقه الصحيح وإدراك أنه لا يعني الكفر على طول الخط.

لا أعتقد أن الإسلاميين اليوم بحاجة لمن يدعوهم إلى التقرب من الليبراليين وقبول وجودهم في الطيف الفكري السياسي للمجتمع، بقدر حاجة الليبراليين إلى من يدعوهم إلى إعادة حساباتهم ومراجعة مقولباتهم الفكرية تجاه الإسلاميين.

هذه المراجعة الفكرية من الليبراليين تجاه الإسلاميين، في حال تمت، ستكون في مصلحة الليبراليين وفي مصلحة انتشار مساحتهم السياسية أكثر من كونها ستصب في مصلحة الإسلاميين.