Ad

إن قضية التحالف مع الشيطان التي يرددها بعضهم كما نعلم جميعاً هي قضية فلسفية «فاوستية» إن جاز التعبير، ولن أتحدث من منطلق ديني حيث الخطوط الحمراء أكثر من خطوط هذه الورقة، ولكن من جانب نفعي أو «ميكيافللي» هل فعلاً يجب التحالف مع الشيطان؟

أثارت زيارة الرئيس بوش إلى المنطقة الكثير من العواطف والأشجان لدى بعض الذين يدينون بالحب والولاء قلباً وقالباً للإدارة الأميركية -ولا غبار في ذلك- فمن حق الإنسان أن يهوى ما يشاء ويحب من يريد، ولكن يبدو أن من مبادئ هذا الولاء وخصائص هذا الحب أن يتم الهجوم على القومية العربية إثباتاً لصدق حب الكاوبوي الأميركي وعمق الولاء له، فاستغل البعض مناسبة الزيارة لذلك، وكما قلنا مراراً نعيد ونكرر أن القومية العربية ليست «الطوفة الهبيطة» التي يحلو للبعض القفز فوقها كلما أراد، فإذا كان من حقهم التغني بأبطال هوليوود وساكني البيت الأبيض، فمن حقنا كذلك الإيمان بالقومية العربية التي كانت وستظل -رغم أنوفهم- الحصن الأمين لشعوبنا العربية منذ الستينيات إلى الآن والمستقبل إن شاء الله، وما بكاء الشيطان وهوانه وضعف حيلته في قضية لبنان وتركه الأمر كاملاً «للملاك» العربي إلا مثالاً صادقاً لما أقول، يفضح زيف المدعين المتأمركين.

ومن الغريب العجيب أن بعضهم ممن اتخذوا من الموقف الأميركي في 1990 جميلاً أبدياً في عنقه وطوقاً أزلياً لا يمكنه -بدافع الوفاء- التنكر له نسي وتناسى في لحظة واحدة نفس الموقف الذي اتخذته القومية العربية من نفس القضية في الستينيات، بل كان أفضل من الموقف الأميركي عندما منعت العدوان من البداية ولم تفعل ما فعله الكاوبوي عندما جاء ليحرر الأرض التي سمح باغتصابها ولكن وكما يقولون:

فعين الحب عن كل عيب كليلة وعين البغض تبدي النواقص

وما يهمني في هذا المقال هو الرد على بعض الذين يتذكرون دائما مقولة الرئيس مبارك بأنه على استعداد للتحالف مع الشيطان من أجل تحرير وطنه.

وبداية فلا أدري لماذا نطلق على بعض الحكام العرب دائماً لقب زعماء؟! فالزعامة لها صفات ومظاهر ودلالات كثيرة لا يتمتع بها في الحقيقة كثير من الحكام العرب... هم رؤساء وحكام سمعاً وطاعة أما زعماء فلا داعي لاستخدامها.

وبالنسبة لما قاله الرئيس مبارك فهو وبعض رؤساء العرب على استعداد أن يتحالفوا فعلاً مع كل شياطين الأرض، ليس من أجل تحرير أوطانهم ولكن من أجل كراسيهم إلى أن يقضي الله أجلاً محدّداً، وهو الأمر الوحيد الذي لن ينفعهم في تحالفهم مع كل الشياطين مهما فعلوا.

إن قضية التحالف مع الشيطان التي يرددها بعضهم كما نعلم جميعاً هي قضية فلسفية «فاوستية» إن جاز التعبير، ولن أتحدث من منطلق ديني حيث الخطوط الحمراء أكثر من خطوط هذه الورقة، ولكن من جانب نفعي أو «ميكيافللي» هل فعلاً يجب التحالف مع الشيطان؟ وإذا كان المتحالف مع الشيطان يريد تحقيق أمر ما ويعرف لماذا يتحالف معه، ألم يسأل نفسه: لماذا يتحالف الشيطان معه؟ وماذا يريد منه؟ وللاختصار نسأل الذين هلّلوا وكبّروا للتحالف مع الشيطان: هل سألوا أنفسهم، هل تحالف الشيطان معهم من أجل الصدق والحق والمبادئ الإنسانية النبيلة؟ وإذا كان الأمر كذلك لمَ لا يتحالف مع غيرهم ممن لهم نفس الحق والمعاناة لأكثر منذ 50 عاما؟ ألم يسأل هؤلاء المدافعون عن الشيطان أنفسهم: ما ثمن تحالف الشيطان معهم؟ لا أعتقد بداية بوجود أي تحالف، فالتحالف غالباً ما يكون بين متساويين أو ندّين متقاربين أما ما قام به الشيطان معهم فهو باختصار رفع لافتة عن نفسه مكتوب عليها للإيجار «مادي- معنوي» «خدمات خاصة» الدفع مؤجل... وهكذا انخدع بعضهم وفرحوا ولكن -للأسف- يوم يأتي يوم الدفع سيكون البكاء والندم والخسارة... فبالله عليكم أريحونا من هذه العبارة.