Ad

أول خطوة لحل أي مشكلة اجتماعية هي «الاعتراف» بالمشكلة وامتلاكها. فالإصرار على أن المشكلة «دخيلة» ينقل المسؤولية من المجتمع ومؤسساته إلى جهة ما خفية خارج هذا المجتمع ومؤسساته، وهذا بالتأكيد يبعد الحل عن جذوره الأساسية.

في اللغة العربية الظاهرة هي «الأمر الذي ينجم بين الناس» أي الفعل الذي ينتشر بين الناس. ومتى ما انتشر الفعل بين الناس أو المجتمع لم يعد «دخيلاً» ! وهذا أحد جوانب التناقض في مسمى «لجنة دراسة الظواهر السلبية الدخيلة على المجتمع». ولكن إذا سلمنا بوجود «ظاهرة» «دخيلة» فما هي تلك الظواهر التي استجدت على المجتمع الكويتي؟ هل هي الكحول والمخدرات؟ أم الدعارة؟ أم الشذوذ الجنسي؟ وأي من تلك الظواهر جديد أو «دخيل» على المجتمع الكويتي؟ فمنذ بيوت الطين كان هنالك أحياء بالكويت القديمة معروفة بمرتاديها وبسهراتها الحمراء التي لا تخلو من الكحول والمومسات. وحتى السبعينيات كانت الخمور تعرض وتباع في فنادق الكويت بشكل علني. أما ما اصطلح على تسميته بالشذوذ الجنسي فهو أيضا من الظواهر التي كانت ولازالت جزءاً من النسيج الاجتماعي الكويتي والعربي الذي نرفض الاعتراف به. فأين الجديد؟

تُعرِّف اللجنة دورها في «دراسة وبحث الظواهر السلبية التي تظهر بين فترة وأخرى وتؤثر في التماسك الأمني الاجتماعي والقيمي للمجتمع الكويتي، مثل ظواهر انتشار المخدرات والمسكرات ، والعنف الأسري، وجرائم الأحداث، وسعي بعضهم لاستغلال الناشئة من خلال ترويج قيم بعيدة عن الدين الإسلامي الحنيف والأخلاق والعادات والتقاليد الكويتية الأصيلة». فإذا كانت تلك الظواهر «تظهر بين فترة وأخرى».. فأين الدخيلة؟ ولمَ لم تُسمَّ تلك اللجنة «لجنة دراسة الظواهر السلبية في المجتمع»؟

إن أول خطوة لحل أي مشكلة اجتماعية هي «الاعتراف» بالمشكلة وامتلاكها. فالإصرار على أن المشكلة «دخيلة» ينقل المسؤولية من المجتمع ومؤسساته إلى جهة ما خفية خارج هذا المجتمع ومؤسساته، وهذا بالتأكيد يبعد الحل عن جذوره الأساسية.

وأثناء اجتماعات اللجنة العلمية للمؤتمر الذي تزمع اللجنة الموقرة إقامته في أبريل المقبل تم تحديد «الظواهر النفسية الشاذة - مثل «البويات» والشذوذ الجنسي- والطائفية والتعصب» كظواهر أساسية سيتم نقاشها في المؤتمر. وهذا يدعونا إلى القلق بشأن جانب آخر في عمل اللجنة الموقرة وهو مدى استعدادها العلمي والثقافي لدراسة الظواهر الاجتماعية. لنأخذ مصطلح «الظواهر النفسية الشاذة» فلا وجود لشيء بهذا الاسم. فهنالك أمراض ومتلازمات وحالات نفسية، وأي مرض بطبيعته مخالف للحالة الطبيعية، ولكنه غير شاذ. المصطلح الآخر هو «البويات»، الذي لا أعلم كيف دخل قاموس اللغة العربية وأصبح فجأة جزءاً من الخطاب النفسي والتعليمي والتربوي. ماذا يعني هذا المصطلح علمياً؟ كيف يختلف عن الشذوذ الجنسي؟ ومَن العبقري الكويتي الذي اكتشف أن مشاكل الشذوذ الجنسي نفسية فقط؟ فالعالم خارج الكويت يملك الآلاف من الدراسات التي تثبت أن الظواهر المتعلقة بالهوية الجنسية لها أسباب طبية وفسيولوجية ونفسية واجتماعية- بيئية!

الجانب الآخر- والأقل غرابة- هو اختفاء التعصب الديني والإرهاب من قائمة «الظواهر السلبية الدخيلة» التي تعالجها اللجنة. فلم ذلك، وهي فعلا من الظواهر الحديثة جداً إذا ما قورنت بالقائمة أعلاه؟ وهل لذلك دخل بتشكيلة اللجنة وقيادتها؟ أم لأن الإرهاب والتطرف الديني ليسا ظاهرتين «سلبيتين»؟ وهل هذا موقف اللجنة أم المجلس؟

إن دراسة ومعالجة القضايا والظواهر الاجتماعية عملية مهمة جداً وحيوية لحماية المجتمع وأفراده، ولكنها عملية تتطلب مختصين مهنيين بعيدين عن المصالح السياسية والفئوية الضيقة.