Ad

المصيبة، ان حلفاء أميركا من حكومات الخليج لا يقومون بأدنى دور تجاه ثنيها عن شن هذه الحرب، وكأنهم لا يدركون العواقب المتعلقة ببلدانهم وشعوبهم، لكن الأشد من ذلك أن التيارات السياسية والنخب المثقفة الموجودة في هذه الدول لا تقوم بأي دور وكأنها جالسة تنتظر وقوع الكارثة بلا حول ولا قوة!

إن نحن فكرنا وفقاً لأبسط معطيات المنطق، فلن نتوقع إقدام الإدارة الأميركية على توجيه ضربة لإيران، فالنتائج التدميرية المحتملة عن قيام مثل هذه الحرب على الأوضاع السياسية والاقتصادية كلها في الخليج والشرق الأوسط، بل والعالم بأسره، بالإضافة إلى النتائج المزرية للمغامرة الأميركية في العراق، كلها تصيح قائلة بالعكس. المنطق البسيط يقول بهذا ولا يحتاج الأمر إلى شخص له خيال هوليوودي ليتصور شكل الكوارث المحتملة عن مثل هذه الحرب، لكن يبدو أن المنطق ليس هو اللغة التي تتحدث بها السياسة الأميركية في عهد الإدارة الحالية!

لكن وبطبيعة الحال، فإن من يؤيدون شن الحرب على إيران لابد لهم من طلاء توجههم هذا بألوان المنطق، لذلك يقولون إن خروجاً أميركياً من العراق دون إضعاف إيران ذات القوة المتنامية سيسقط العراق والمنطقة بأسرها رهينة بيدها، خصوصا أن دور إيران في العراق لم يعد ينكره أحد ولا تفنده حتى هي نفسها ولو مداراة لمشاعر جيرانها العرب الذين يعيشون هاجس التمدد الشيعي نحوهم.

ومن يتابع السياسة الإيرانية في الفترة الأخيرة يجزم بأن إيران تتعمد إثارة هذا الهاجس عبر سلسلة من التصريحات الاستفزازية تنطلق من هنا وهناك بين الفينة والأخرى، وعبر إحجامها عن تناول الملفات الخلافية العالقة معهم، وغير ذلك مما يمكن عمله لترطيب الأجواء المتوترة وتقليل الاحتقان والقلق.

أقول هذا متمنياً أن يكون أقصى ما في نية إيران هو مجرد إثارة هواجس القلق عند جيرانها العرب ضمن استراتيجية المواجهة مع أميركا وحلفائها، وليس شيئاً آخر!

الحرب على إيران، وبالرغم مما ذكرناه عن مأساوية نتائجها إن هي حصلت، تجد لها مؤيدين حتى في الجانب الخليجي، وهذا أمر غريب فعلاً، لأنه من الممكن فهم تأييد العرب البعيدين عن خط المواجهة لمثل هذه الحرب من باب إيمانهم الراسخ بالخطر الشيعي الذي يسوّق له بعضهم باعتباره أشد وأعظم على العرب والمسلمين من خطر الكفار من اليهود والنصارى، لكن ما لا نفهمه هو حماس قطاعات واسعة في دول الخليج لمثل هذه الحرب بالرغم من أن ديارهم ستكون جزءاً أصيلاً من ساحة المعركة!

من الحماقة بمكان تخيل أن أميركا قادرة على توجيه ضربة صاعقة للقدرات الإيرانية تشلها وتنهيها إلى الأبد، فإيران وبعدما تتلقى الضربة الأولى والتي ستكون جوية بطبيعة الحال، وربما مصحوبة بإنزال «كوماندوز» لتنفيذ عمليات محددة، سترد في اليوم الثاني بكل ما لديها من قوة على المعسكرات والمصالح الأميركية الموجودة في دول الجوار، ولا أريد حتى أن أتخيل ما سيحدث حينئذ!

المصيبة، والحالة هذه، أن حلفاء أميركا من حكومات الخليج لا يقومون بأدنى دور تجاه ثنيها عن شن هذه الحرب، وكأنهم لا يدركون العواقب المتعلقة ببلدانهم وشعوبهم، لكن الأشد من ذلك أن التيارات السياسية والنخب المثقفة الموجودة في هذه الدول لا تقوم بأي دور وكأنها جالسة تنتظر وقوع الكارثة بلا حول ولا قوة!

عندما ثارت النوايا الأميركية لشن الحرب على كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي منذ سنوات، كان الأكثر تصدياً لها هو حليفها الرئيس الكوري الجنوبي بالرغم من كل إرث العداء بين بلاده وكوريا الشمالية، فعل ذلك دون تردد لأنه أدرك أن بلاده ستكون المتضرر الأكبر من تلك الحرب إن هي قامت.

هذا ما فعلته الحكومة الكورية الجنوبية آنذاك لحماية بلدها وشعبها من اتون حرب أميركية مجنونة، لكن ما سيكون مصيرنا نحن يا ترى؟!