الديموقراطية الكويتية... للوراء دُر!
الناس تترقب من قواها السياسية أن تتجاوز البيانات والتصريحات وتتحرك فعلاً لتعيد البلاد إلى مسارها، وأن تتصدى بشجاعة لمن نسميهم رموز الفساد والقوى المعادية للدستور، وكأنهم مردَة وغيلان نخشى من لعناتها إن ذكرنا أسماءها صراحة. ونحن إن كنا نجد العذر في هذا لمن لا يتمتعون بالحصانة البرلمانية، فلا يمكن لنا أن نقبله من برلمانيينا الذين يحميهم الدستور!
مؤلم جداً أننا بعد خمسة وأربعين عاما من الممارسة الدستورية، وبدلاً من أن نكون قد وصلنا بالكويت إلى المرحلة التي تهيئها للصعود على سلم الديموقراطية، نجد قوانا السياسية الشعبية وقد تنادت لإطلاق صرخة بوجوب التمسك بالدستور وعدم جواز تعطيل مواده أو إيقاف العمل به، والدعوة الى التصدي لأي محاولة لتعطيله. هذه الصرخة التي كشفت بأننا ما عدنا نفكر بتطوير الممارسة وصولاً إلى حلم الممارسة الحزبية الكاملة والحكومة الشعبية المنتخبة، تحت هيمنة الصلاحيات الدستورية لأمير البلاد على سبيل المثال، مثلما كان يفكر الدكتور أحمد الخطيب منذ عقود من الزمن على سبيل المثال، عندما ذكر في إحدى جلسات المجلس التأسيسي في 1962م من خلال حديثه عن الدور السياسي المفترض للأسرة الحاكمة وتصوراته عن تقليص مشاركة أفراد هذه الأسرة في الحياة السياسية، على غرار النظام الملكي البريطاني كنموذج مثالي، بقدر ما صرنا نعيش رعب أن نخسر ما في أيدينا من مكتسبات، على ضآلتها في مقاييس الديموقراطيات الحقيقية! هذا الواقع الذي نعيشه، وهذا الجمود الذي حُكم به على ممارستنا الديموقراطية، أو حكمنا به بأنفسنا عليها، لا فرق، بل ومحاولات بعض الأطراف، من أبناء الأسرة وغيرهم، لقصقصة المكتسبات والحقوق الشعبية والسعي الى تقليص صلاحيات البرلمان وتضييق هامش الحريات السياسية والسير بالكويت الى الوراء، يشير إلى أن هذه الديموقراطية التي لطالما تغنينا وافتخرنا بها على العالمين لم تثمر شيئا، بل إن بستانها الذي ظننا أننا نزرعه ونرويه طوال هذه السنوات وعوضاً عن أن يطرح لنا الأثمار، ها هو وقد مات لنا فيه غرس كنا نترقب حصاده!لكن لعل الإيجابي في المسألة هو أن قوانا السياسية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، وعلى الرغم من المحاولات البائسة لبعض الصحف والأطراف لترويج وجود الخلاف فيما بينها، قد اتفقت على أن كيان البلاد الدستوري خط أحمر لا يمكن القبول بالتعدي عليه، الأمر الذي لم ينشأ وليداً لحسابات سياسية أو تنظير فكري محض، وإنما لإدراكها جميعاً بأن لا استمرارية ولا وجود حقيقياً لأي أحد في هذه الدولة إلا تحت مظلة الدستور.لكن والحال ما نعيشه اليوم، فإن هذا لم يعد كافياً، فهذه الصرخة وإن كانت لازمة فقد جاءت متأخرة لاستحقاقها منذ وقت بعيد، ولن تلبي لوحدها تطلعات الشعب الشاعر بتفاقم الأزمة وانسحاب الهواء من حوله. الناس تترقب من قواها السياسية أن تتجاوز البيانات والتصريحات وتتحرك فعلاً لتعيد البلاد إلى مسارها، وأن تتصدى بشجاعة لمن نسميهم رموز الفساد والقوى المعادية للدستور، وكأنهم مردَة وغيلان نخشى من لعناتها إن ذكرنا أسماءها صراحة. نحن وإن كنا نجد العذر في هذا لمن لا يتمتعون بالحصانة البرلمانية، فلا يمكن لنا أن نقبله من برلمانيينا الذين يحميهم الدستور!نثمن ما جاء في بيان القوى السياسية من تعهد بالاستمرار بالعمل لتعزيز المكتسبات الدستورية وتحقيق الإصلاح ومواجهة الفساد، مع الاستمرار بدراسة وبحث الواقع السياسي وما يكتنفه من أزمات سياسية وصولاً إلى رؤية وطنية لبناء الكويت الحديثة، لكنه سيبقى كلاما إنشائياً وحبراً على ورق ما لم نره يتجسد حقيقة على أرض الواقع، اليوم قبل الغد، لأن كل ثانية من التأخير سيتمدد فيها الفساد ويعلو شأن رموزه!