بين الأسد... وصدام حسين!!

نشر في 20-03-2008
آخر تحديث 20-03-2008 | 00:00
 صالح القلاب

إن الفرق بين حافظ الأسد وصدام حسين اللذين تربيا في حزب واحد ولكن في بيئتين مختلفتين، هو أن الأول ناعم الملمس وشديد التهذيب ووافر الأناقة وطويل البال، وأنه عندما يقرر التخلص من خصومة فإنه يأكلهم بـ«الشوكة والسكين» أما الثاني فإن ثقته الزائدة بنفسه مصطنعة وأنه شكاك ولا يثق حتى بأولاده، وأنه عندما يقرر التخلص ممن يقفون في طريقه فإنه يستخدم «البلطة والساطور».

في لقائها الأخير مع الصحيفة العربية التي تصدر في لندن عقدت السفيرة الأميركية السابقة في العراق أبريل غلاسبي مقارنة بين صدام حسين والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وصفت فيها هذا الأخير بأنه كان محنكاً وشديد الذكاء وله روح النكتة، ويرغب في ممازحة محاوريه بينما وصفت الأول، أي الرئيس العراقي الأسبق، بأنه كان يرعب أوساطه وأنه كان نشر نوعاً من التوتر الذي يخيم على أجواء لقاءاته.

والحقيقة أن هذه الدبلوماسية الأميركية العريقة التي خدمت في العراق وفي سورية ولبنان والتي تستحق أن تحمل لقب مستشرقة أظهرت في هذا اللقاء المشار إليه براعة في فهم صدام حسين وفي معرفة عقده النفسية التي تحكمت في تصرفاته منذ أن بدأ حياته السياسية عضواً في حزب البعث إلى أن أزاح كل القادة البعثيين عن طريقه، وبطش بكل الذين كانوا أقدم منه في هذا الحزب، مثل حردان التكريتي وعبدالخالق السامرائي وعبدالكريم الشيخلي ومصطفى نصرت وصالح مهدي عماش ومحمد عايش... وأحمد حسن البكر وغيرهم كثيرون... إلى أن انتهى معلقاً على حبل المشنقة.

قالت غلاسبي، إنه كان جاهلاً لدرجة لا تصدق على الرغم من أنه لم يكن رجلا غشيما. فقد صمم بدلة حزب البعث بحيث تكون شبيهة بالبدلات العسكرية... ونحن نعلم أنه لم يقاتل دقيقة واحدة وأنه لم يدخل الجيش على الإطلاق، ولم يكن يعرف شيئاً عن الجيوش لكنه على غرار الشاه كلما ازداد عظمة اعتبر أنه ازداد معرفة، فأصبح فجأة خبيراً بالمعدات العسكرية والإصلاح الزراعي والثقافة وبكل شيء آخر... وهو فوق هذا كان يعتبر أن «الدولة هي أنا»... ولذلك فإن مقاييس التعامل معه كانت بالغة الخطورة.

وفي رأي بعثي سابق كان مناوئاً لبعث العراق وبعث سورية على حد سواء، إن الفرق بين حافظ الأسد وصدام حسين اللذين تربيا في حزب واحد ولكن في بيئتين مختلفتين، وفي ظروف ليست متشابهة، هو أن الأول ناعم الملمس وشديد التهذيب ووافر الأناقة وطويل البال، وأنه عندما يقرر التخلص من خصومة ومناوئية ومنافسية فإنه يأكلهم بـ«الشوكة والسكين» أما الثاني فإن ثقته الزائدة بنفسه مصطنعة وأنه شكاك ولا يثق حتى بأولاده وأبناء عمومته، وأنه قصير النفس ولا يعرف التواضع على الإطلاق وأنه عندما يقرر التخلص من الذين يعتبر أنهم يقفون في طريقه فإنه يستخدم «البلطة والساطور» وأنه لا يتورع في استخدام أكثر الوسائل بدائية ووحشية، ولا يتردد في استخدام يده في قتل من يرى أنه لابد من قتله.

ذكر بعثيٌّ عربي، ليس من العراق، أنه اختير في إطار عدد من أبناء الدولة العربية المنتمين إلى هذا الحزب الذين كانوا طلبة يدرسون في الجامعات العراقية لحضور «حفل الإعدامات التي نفذت في عام 1979 والتي طالت أكثر من خمسين قيادياً وبعثياً من بينهم عبدالخالق السامرائي ومحمد عايش وعدنان الحمداني وأردني هو طالب صويلح لُفّقتْ لهم تهم اعتباطية... وقال: لقد جاء صدام حسين، إلى ميدان الرماية التي جرت فيه تلك «الحفلة» الدموية وهو يصطحب ابنه عدي الذي كان لايزال في الثانية عشرة من عمره... وعندما وصل إلى نقطة معينة أمام صف المتهمين المعصوبي الأعين أزاح مسدسه عن خصره وهو يقهقه بصوت مرتفع، وناوله لابنه وأمره بإطلاق النار... لقد تردد الطفل قليلاً فما كان من الوالد «الحنون»!! إلا أن صرخ بأعلى صوته: جبان... أطلق النار... عليك أن تتعلم منذ الآن أن الحياة هي إما أن تكون هناك حيث يقف هؤلاء المجرمون وإما أن تكون هنا حيث توجه إلى صدورهم الرصاص!!

إن هذا لم يفعله حافظ الأسد وهو ما كان من الممكن أن يفعله فهو من طينة أخرى ومن قماشة مختلفة... لقد كان بإمكانه أن يرتب وجبات إعدامات لرفاقه الذين انقلب عليهم. والذين حاولوا الانقلاب عليه لاحقا: «نور الدين الأتاسي، صلاح جديد، محمد عيد عشاوي، محمد رباح الطويل، يوسف زعيِّن، أحمد سويدان... وغيرهم لكنه لم يفعل بل إنه كان يتابع شؤون أولادهم وعوائلهم مباشرة وبنفسه وإنه كان قد خصص استراحة المشير «عبدالحكيم عامر»، في القصاع في دمشق ليلتقوا فيها مناوبة... ودورياً مع أهلهم لنحو أسبوع ثم يعودون بعد ذلك إلى زنازينهم في سجن المزة، إلى أن ماتوا تباعاً على مدى ربع قرن موتاً ربانياً طبيعياً.

في تجربته «المرة» التي أصدرها في كتاب بعد حركة «شباط» الانقلابية في عام 1966 التي أزاحته وأزاحت مجموعته من الحكم والتي كان الفريق حافظ الأسد أحد رموزها الرئيسيين قارن الدكتور منيف الرزاز (الأردني)، الذي أصبح أميناً عاماً لحزب البعث وانتهى في العراق مقتولاً بخنجر التعذيب النفسي والسم الزعاف الذي دس له في طعامه على الطريقة العباسية الشهيرة، بين الرئيس السوري السابق «حافظ الأسد» وسلفه الجنرال أمين الحافظ الذي لم يكن دموياً ولكن فيه بعض الصفات من صدام حسين قال فيها: إن أبا عبده (أمين الحافظ) كان ضابط مشاة... عليهم... عليهم... وإن أبا سليمان (حافظ الأسد) طيار مقاتل... إن حساباته دقيقة وإنه لا يرتجل ولا يأخذ قراراته بطريقة عشوائية.

* كاتب وسياسي أردني

back to top