إلغاء جهاز خدمة المواطنين... الفال للباقي
إن المرء ليتساءل: لماذا تُنشأ هذه الأجهزة الإدارية الضخمة التي لا حاجة تنموية ولا إدارية إليها، والتي يترتب على إنشائها تبذير للمال العام، ثم بعد كم سنة تلغى هكذا من دون توضيح لأسباب الإنشاء ومبررات الإلغاء؟
بحسب ما أشارت إليه جريدة «القبس» بتاريخ 1/10/2007 نقلاً عن مصدر حكومي بارز فإن الحكومة بصدد إلغاء جهاز خدمة المواطنين وتقييم أداء الجهات الحكومية. هذا الجهاز الذي صدر مرسوم إنشائه رقم 271 لسنة 2002 ليتولى «بحث وتحري أسباب القصور في العمل والخدمات والكشف عن عيوب نظم العمل التي تعرقل إنجاز مصالح المواطنين بالتعاون مع الجهات الحكومية ودراسة نظم العمل بهذه الجهات لإزالة العيوب التي تعرقل حسن الأداء الحكومي وتعوق تحقيق خدمة المواطنين».طبعا السؤال الذي يتبادر للذهن، ولم تتم الإجابة عليه، هو لماذا يُلغى هذا الجهاز؟ والجواب هو أحد 3 احتمالات؛ إما أن الجهاز قد أنجز المهام جميعها التي أنشئ من أجلها وبالتالي لا داعي لاستمرار وجوده؛ وإما أن الجهاز فشل في تحقيق تلك المهام ولابد من إلغائه؛ وإما أنه من الأساس لا داعي لإنشاء هذا الجهاز لتشابك اختصاصاته مع اختصاصات أجهزة حكومية أخرى، أو لعدم وضوح أهدافه. وبما أنه من المعروف أن العيوب التي تعرقل حسن الأداء الحكومي وتعوق خدمة المواطنين، لا تزال كما هي، فإن الاحتمالين الأخيرين هما الأقرب لمعرفة أسباب الإلغاء. على أن هنالك ترابطاً منطقياً بين فشل الجهاز في تحقيق مهامه وعدم وجود مبرر لإنشائه. فإذا كان ليس هنالك من داع لإنشاء جهاز ما، فحتماً سيكون الفشل هو مصيره.ومن المهم أن نشير هنا إلى أنه قد سبق وأثيرت تساؤلات عدة عن مبررات إنشاء هذا الجهاز في وقته، وتم الربط بينه وبين جهاز «تظلمات وشكاوى المواطنين»، الذي أنشئ خلال فترة الانقلاب الثاني على الدستور، وتم إلغاؤه بعد إعادة العمل بالدستور نتيجة لمطالبات نيابية قوية. وقد وجهت اتهامات لهذا الجهاز بالتدخل لمصلحة بعض المرشحين والنواب المحسوبين على الحكومة من خلال تقديم خدمات خاصة «واسطات» إليهم. كما أن هذه الاتهامات نفسها قد وجهت وبقوة لجهاز «خدمة المواطنين»، وهنالك لجنة تحقيق برلمانية للتحقق من اتهامات تدخله في دعم بعض المرشحين في الانتخابات الأخيرة، لم تنجز تقريرها النهائي حتى الآن.إن المرء ليتساءل: لماذا تُنشأ هذه الأجهزة الإدارية الضخمة التي لا حاجة تنموية ولا إدارية إليها، والتي يترتب على إنشائها تبذير للمال العام، ثم بعد كم سنة تلغى هكذا من دون توضيح لأسباب الإنشاء ومبررات الإلغاء؟ الطريف في الأمر، أن شعار «خدمة المواطن» يكون دائماً هو الهدف المعلن نظرياً. وحيث إن المواطن من ذلك براء، فإنه من حقه أن يعرف، على الأقل، لماذا وكيف صرفت هذه الأموال العامة؟ ثم، أليس الأولى أن تصرف هذه الأموال العامة على تطوير البنى التحتية؛ كالمستشفيات والطرق والتعليم والإسكان والخدمات العامة، التي يستفيد منها عموم المواطنين، بدلاً من تبذيرها على تقديم «خدمات خاصة» لفئة معينة من المواطنين؟من ناحية أخرى، فإن صح ما أشارت له جريدة «القبس» من أن هنالك نية لتحويل جهاز «خدمة المواطنين» بعد إلغائه إلى جهاز لمتابعة قرارات مجلس الوزراء أو تحويله إلى جهاز داعم لاتخاذ القرار أو جهاز تقييم الأداء وقياس الرأي العام، فإننا «لا طبنا ولا غدا الشر»، حيث أن هنالك تشابكاً في الاختصاصات بين هذه الأجهزة المقترحة كلها وجهات حكومية قائمة كالأمانة العامة لمجلس الوزراء وديوان الخدمة المدنية.إن المطلوب «ترشيق» الجهاز الإداري الحكومي وليس زيادة وزنه. فالأجهزة الحكومية التي لا داعي لها ومطلوب التفكير جدياً في إلغائها كثيرة، وهنالك تشابك إداري رهيب مطلوب فكه بين مجموعة لا بأس بها من الأجهزة الإدارية الحكومية. فهل نعتبر أن خطوة إلغاء جهاز «خدمة المواطنين» هي الخطوة الأولى لإعادة النظر في مجموعة الأجهزة الإدارية الحكومية التي لا داعي ولا مبرر لوجودها؟ نتمنى ذلك.