Ad

النائب الذي يخشى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والعودة إلى الشارع، هو في واقع الأمر أحد اثنين: إما أن يكون نائب خدمات خذل ناخبيه وفاجأه الحل، أو نائباً غيّر قناعته في مواقف ما لمصالح حزبية أو اجتماعية، ما عدا ذلك فإن الأمة ستعيد نوابها الذين انسجموا مع قناعاتهم ورغبات ناخبيهم.

في الأمس ارتدوا عباءة الأسد، زمجروا وهددوا وتوعدوا الحكومة بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن هي أصرت على إزالة الديوانيات، أو «فركشت» زيادة الخمسين، حتى لو أدى الأمر إلى حل المجلس، هكذا كانوا يرددون في تصريحاتهم وندواتهم، قبل أن تسوء العلاقه بين السلطتين ويلوح في الأفق خيار استخدام صاحب السمو صلاحيته الدستورية، حينها أصابهم الارتباك واختلطت أوراقهم.

من كان موجوداً في مجلس الأمة قبيل ساعات من حله، لابد أنه اكتشف هذه الحقيقة، خلال توافد بعض النواب على مكتب الرئيس الخرافي، فالوجوه لم تعد كما هي، وخطاب «الزمجرة» السابق تحول إلى «همس» تستشف الندم في ثناياه، بعد أن ارتجفت القلوب، وارتعدت الفرائص، كون شبح الحل بات أقرب إليهم من حبل الوريد، ولسان حالهم يقول «كله منك يا زكية»... على العكس من ذلك كانت مجموعة أخرى من النواب في نفس اليوم أكثر هدوءاً وتقبلاً لأي خيار يتخذ في الإطار الدستوري.

وحدهم من ثبتوا على مواقفهم لم يُخِفْهُم الحل، وحدهم من قاموا بدورهم التشريعي والرقابي على الوجه الأكمل، لم يرعبهم اللجوء إلى الشارع واستفتاء الأمة، أما من تلوَّن وزايد وانحنى، فقد كان الحل رصاصة رحمة أطلقت على آمالهم بالعودة من جديد إلى الكرسي الأخضر.

كم كنت أتمنى أن تصل الأمور في تلك الأزمة إلى عدم حل المجلس مقابل صرف النظر عن الخمسين و«الدواوين» حينها كنا سنكتشف مزيداً من مواهب الانحناء، والتنازل، ونسف القناعات لدى عدد غير قليل من نواب أمتنا، لكن الماده 107 أنقذتهم، ليبقى لديهم «فتات» من الشعارات سيصمون بها آذاننا في حملاتهم الانتخابية.

على كل، النائب الذي يخشى الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والعوده إلى الشارع، هو في واقع الأمر أحد اثنين: إما أن يكون نائب خدمات خذل ناخبيه وفاجأه الحل، أو نائباً غيّر قناعته في مواقف ما لمصالح حزبية أو اجتماعية، ما عدا ذلك فإن الأمة ستعيد نوابها الذين انسجموا مع قناعاتهم ورغبات ناخبيهم، مع تقديرنا لمن قرر عدم خوض الانتخابات المقبلة شرط ألا يكون قراره نابعاً من خوف بل من زهد بالكرسي.

* * *

في مقال لي قبل أسبوعين توقعت حل المجلس وربطت الحل ببعض القضايا، منها نتائج التحقيقات في قضية «الفحم المكلسن»، وقلت إن حل المجلس قبل انتهاء هذه التحقيقات وإعلان نتائجها سيكون فرصة مناسبة لبعضهم من أجل النيل من أسماء الرموز السياسية المرتبطة بهذه القضية من أجل تشويه سمعتهم كأحد الشعارات التي سترفعها قوى الفساد في الحملات الانتخابية. صدق ظني عندما صرح أحد النواب السابقين والمرشحين الحاليين عن هذا الموضوع يوم أمس!!