كان أمير البحر أحمد فوزي باشا قائداً للأسطول التركي، في الوقت الذي بلغ الصدام فيه ذروته بين مصر وتركيا، وفي هذا الوقت الحرج مات السلطان محمود سلطان الأتراك وخلفه غلام في السابعة عشرة اسمه عبدالمجيد، فعين (خسرو) صدراً أعظم، كما جرت عليه العادة في دول الشرق منذ القدم، فتلك الفترات تكون نعمة على البعض، مثلما هي نكبة على البعض الآخر، حيث تكثر الدسائس والمظاهرات، وكان القبودان أحمد فوزي باشا يتوقع شراً من جانب (خسرو) بسبب خصومة قديمة بينهما، لذلك لم يكن فوزي باشا يتلقى أمر استدعائه إلى الاستانة حتى أدرك أنه إما مقتول أو معزول، فأشار عليه البعض بفكرة اللجوء إلى مصر وتسليم الأسطول التركي إلى محمد علي، فينال حظوته، واستحسن الرجل الفكرة وأقلع بالأسطول وعلى ظهره أكثر من 21 ألف بحار وجندي، وأصبحت مصر أقوى دولة بحرية في البحر الأبيض المتوسط، ولقي فوزي باشا عند سيده الجديد الحظوة المتوقعة.

Ad

لكن الرياح لم تجر بما كان يشتهي أمير البحر التركي، ولا بما كان يتمنى محمد علي، فلعبت الدول الأوروبية بزعامة إنكلترا لعبتها المعروفة لإجهاض نهضة محمد علي، وأسفرت المؤامرة عن إبرام معاهدة لندن التي أعادت الجيوش المصرية إلى معاقلها الأصلية، وبعدها أصدر السلطان العثماني فرماناً بإعادة الأسطول التركي والعفو عن جميع رجاله باستثناء القبودان أحمد فوزي باشا، وتحيَّر محمد علي بين مقاومة السلطان، ومن خلفه الدول الأوروبية المتحفزة، وبين تسليم الرجل الذي لجأ إليه فتضيع هيبته أمام أتباعه، وشعر السلطان بحرج موقف محمد علي وأراد أن يسهل عليه الأمر فبعث إليه بأنه ليس من الضروري تسليم القبودان الخائن حياً، وفهم والي مصر مغزى الإشارة، فأرسل أحد خاصته مع قنينة سموم إلى فوزي باشا وكلفه مهمة التفاهم معه لإخراج والي مصر من ورطته، وفهم القبودان الرسالة وقام وتوضأ وصلى العصر ثم التفت إلى فنجان القهوة المسمومة فتجرعها وهو يهذي بالتركية «قسمت... قسمت».