Ad

القوى قد سارعت كغيرها من الجهات والشخصيات إلى اتخاذ موقف واضح من قضية «التأبين» وكان من شأن ذلك أن يمتص مشاعر الغضب الشعبي بشكل كبير، إلا أنها سرعان ما اختفت من الساحة السياسية والإعلامية في وقت تُرك هذا الفراغ لجر الموضوع في اتجاهات أخرى أقل ما يمكن القول عنها إنها مؤلمة وذات نتائج خطيرة،

في الكثير من المنعطفات السياسية لاسيما الحساسة منها وذات البعد الاستراتيجي والشمولية الوطنية كانت القوى السياسية هي صاحبة المبادرة في تشخيص الساحة وتحليل الأحداث والتعاطي للتشاور من أجل طرح الحلول والمخارج عند بروز الأزمات، فالقوى الوطنية تملك الرصيد الشعبي والرشد السياسي لخلق رأي عام متوازن وموضوعي إضافة إلى تمتعها بأدوات التأثير على القرار، كما أن تواجدها المشترك يجسد النسيج الكويتي على صعيد تمثيل مكوناته الاجتماعية أو تعدديته الإيديولوجية أو الفكرية.

ولكن حالة الصمت والتردد والسلبية الملفتة لمعظم القوى السياسية الرئيسية إزاء تداعيات «التأبين» وانجرافه إلى تصعيد سياسي خطير وتحوله إلى مادة دسمة للاصطفاف الطائفي، غير مبررة على الإطلاق، بل وتثير الريبة. فإذا أخذنا تسلسل الأحداث منذ بدايتها، نجد أن هذه القوى قد سارعت كغيرها من الجهات والشخصيات إلى اتخاذ موقف واضح من قضية «التأبين» وكان من شأن ذلك أن يمتص مشاعر الغضب الشعبي بشكل كبير خصوصاً في أجواء إعلامية كانت مشحونة للغاية، وبمعنى آخر ساهمت في احتواء الصدمة الأولى.

إلا أن القوى السياسية نفسها سرعان ما اختفت من الساحة السياسية والإعلامية في وقت تُرك هذا الفراغ لجر الموضوع في اتجاهات أخرى أقل ما يمكن القول عنها إنها مؤلمة وذات نتائج خطيرة، فقد تحول «التأبين» إلى التآمر على قلب نظام الحكم وتقويض أركان الدولة ووجود تنظيم محظور متهم بالخيانة العظمى.

والأغرب من ذلك كله، ومن خلال التواصل المستمر مع الكثير من الشخصيات والرموز الوطنية التي تمثل القوى السياسية نجد أنها قد وصلت إلى قناعات محددة، ولكنها مترددة في الإفصاح عنها عبر خطاب إعلامي صريح، ومن هذه القناعات أن ما تتعرض له إحدى القوى الوطنية المتمثلة بالتحالف الإسلامي من هجوم وتشهير وملاحقة سياسية وقانونية يمكن أن يتكرر مع بقية القوى الوطنية، ومنها أن هذه الهجمة ليست سوى مدخل لضرب الديموقراطية وخلق الأجواء لتمرير فكرة تعطيل الدستور وإلغاء الحياة النيابية، ومنها أن قوى الفساد باتت تملك خيوط الهيمنة على القرار السياسي في الدولة، ومنها محاولة جر الكويت إلى أتون الصراعات الإقليمية وامتدادها العالمي، وأخيراً يجمع الأغلب الأعم بأن التصعيد الخطير الذي نشهده هو استهداف مشبوه لضرب الوحدة الوطنية وزعزعة الاستقرار الداخلي.

والمؤسف حقاً أن مثل هذه التحليلات وحالة الانزعاج من المشهد السياسي يتنفس بها خلف الجدران المغلقة ومن خلال الأحاديث الجانبية وبأسلوب الهمس فقط، دونما التصريح بها علناً، ويبدو أن كل تيار سياسي ينتظر أن تكون المبادرة من غيره لمعرفة ردود الفعل الشعبية... فإن مرت بسلام تبعته في ذلك، وإن كانت ردة الفعل سلبية فتكون الفرصة سانحة للمزايدة عليه في الاتجاه الآخر من أجل كسب الشارع سياسياً وانتخابياً.

ومن هنا... فإن الحل في الخروج من هذا الحرج والتردد يكمن فقط في تداعي القوى السياسية جميعها للالتقاء والتشاور ومن ثم تبني موقف موحد والإعلان عنه في إطار وطني يأخذ بعين الاعتبار وضع حد لهذا الاستنزاف السياسي المتواصل، ومن دون هذه الخطوة الجريئة والفورية فإن هذه القوى تتحمل مسؤولية الانقسام الطائفي الذي ولد مبكراً وأي تعميق للاصطفاف المكثف وراءه... والمؤكد أن الشارع الكويتي برمته سوف يكون ضحيته النهائية ويبقى لدفع ثمنه لسنوات مقبلة ويكون ترميمه أصعب بكثير في المستقبل.