الحال والحل: ماذا تعلمت النرويج من الكويت؟
الكويت والنرويج، دولتان يجمعهما النفط ويفرقهما كل ما عداه، ليس بسبب الأقدار ولكن بفعل فاعل. بعد 5 سنوات من البدء في إنتاج النفط في بحار النرويج - منتصف السبعينيات - وحين كان النفط في الكويت قد قضى 35 سنة من عمره، واجه النرويجيون التحدي الأكبر لهم، بتحجيم سيطرة هذا الاكتشاف على الاقتصاد، وضمان عدم ثأثيره على أخلاقيات العمل، وخلال برامج امتدت إلى أكثر من عقدين تحقق ما يصبون إليه، ووصل معدل دخل الفرد في النرويج إلى ثاني أعلى نصيب للفرد من الدخل في العالم، وعددهم أقل من 5 ملايين نسمة. في حين أن ظهور النفط في الكويت بمنتصف الأربعينيات تسبب في تحول الكوتيي من إنسان منتج وعصامي إلى موظف ومُتلق للعطايا، وخلال برامج امتدت إلى أكثر من 40 عاماً لا يزال النفط المصدر الوحيد للدخل، وتتعيش القطاعات الاقتصادية الأخرى عليه بشكل أو بآخر، وعددنا لم يتجاوز 3 ملايين نسمة. واجه النرويجيون التحدي في التعامل مع المورد الجديد حين كانت دولتهم لا تملك أبسط متطلبات الصناعة النفطية، وجاءت النتيجة بأن أصبحت مصدراً للخبرات النفطية، ومتميزة في تصنيع تقنيات جديدة غير مكلفة وصديقة للبيئة، وأصبحت من ملاك أحدث الأساطيل البحرية، في حين أن الكويت استخدمت الفوائض النفطية للإنفاق على كل شيء إلا التنمية، وكل ما أنفق لم يهيئ البشر إلى ما بعد النفط، واستخدم الأسطول النفطي بوابة لتدمير القطاع بتعرضه لسرقات - تاريخية – لم تحدث لأي شركة نفطية في العالم، ونحن الآن نستغيث بالشركات الأجنبية.
البرلمان النرويجي (Storting) قرر في الثمانينيات من القرن الماضي تحييد الإيرادات النفطية، وتحت مبرر التأكد من الاستمرار في المحافظة على مستوى المعيشة ذاته بالنسبة للأجيال القادمة في بلدهم، وخلال نصف عمر النفط لديهم تسبب ذلك التحييد في تراكم المبلغ في صندوق أجيالهم القادمة ليجمعوا أكثر من ضعف احتياطيات صندوق أجيالنا القادمة، ونحن مبتكرو الفكرة، وتسبب ذلك أيضا لديهم في رفع إنتاجية الإنسان. وتضم الحكومة النرويجية الحالية، ولأول مرة منذ 20 عاما، أغلبية التنظيمات والأحزاب السياسية، والوصول إلى تلك المرحلة من النضج السياسي، هو نتاج الحكمة في التعامل مع القدر أي بفعل فاعل، في حين أن البرلمان الكويتي لم يكتف بالفشل في تحييد الفائض من الإيرادات النفطية، ولكنه ابتكر التزامات مستدامة على المالية العامة دون اكتراث بمصير القادمين إلى الحياة. لا يتجاوز حجم العمالة في القطاع الحكومي النرويجي 37 %، ويعمل النرويجيون في سوق تنافسي لا مجال فيه للبطالة المقنعة، ويتصف بمشاركة عالية للنساء، وبرامج التقاعد المبكر لديهم لا تتحيز مع أو ضد أي من الجنسين، وفي السوق الكويتي يشارك 84 % من الكويتيين في القطاع الحكومي، وللنساء مساهمة عالية فيه، وبرامج التقاعد المبكر لدينا تسمح للكويتيين بالتقاعد قبل البلجيكيين بـ17 سنة كحد أدنى للجنسين، وتتعرض مواردنا المالية لهجمات مستمرة تشوه أي محاولات لتنميته، والسيناريو المرعب لأثر ذلك الوضع بأن يلتهم النمو السكاني المرتفع للكويتيين والبالغ 3.2 % كل فرصة للنمو في الموارد المالية في نهاية المطاف، وكل ذلك يحدث بفعل فاعل لن يكون على قيد الحياة في حينه.كان من الممكن أن تكون النرويج عام 1975 الكويت الآن، ولكنها أصبت كما هي عليه اليوم بفعل فاعل، وهو ليس بمستغرب على بلد يتفوق عالمياً في عدد إصدار الكتب مقارنة بعدد السكان، وتخرّج من رحمه في القرن الثامن عشر الشخصية البشرية أنجيل أبسن داعية الاستقلال الروحي للإنسان عموماً، وللمرأة بصفة خاصة. فهُم في وعي وتقدم ونحن في تراخ وترهل.والحقيقة المخيفة التي لا تزال غائبة عنا هي أن النفط، وثروة الأجيال القادمة، تنميتهما أو تدميرهما لن يتمّا إلا بفعل فاعل، ولكن شتّان بين فعلهم الفاعل وفعلنا الباطل، ففي نصف الفترة تخلصت النرويج من قلقها في ما بعد النفط باقتباس فكرتنا وتعلمها منا، وعلى مدار ضعف الفترة الزمنية لم نتعلم أي شيء منها وأخشى أن تكون الكويت مجرد مفعول به مجرور بـ«الحسرة» بدلاً من الكسرة.