إلى مجلس الأمة... مع التحية
النائب في أي برلمان يجد نفسه أمام اختيارين: إما ممارسة إيجابية تسعى إلى رفع سقف العمل السياسي، وتبني الدفاع عن المطالب الشعبية وتعزيز المشهد الوطني، وإما ممارسة سلبية وخلق العقبات تحت حجة الحرص على أموال الشعب ومقاومة مسار التغيير بوجهيه السياسي والاقتصادي، والتشكيك في المقترحات بأنواعها.
طالعتنا الصحف في الأسبوع الماضي بخبر مثير، وهو «كسر الهدنة السياسية» بين البرلمان والحكومة، وذلك عن طريق تقديم استجواب من الصنف النادر في قاموس السياسة، وهو الاستجواب «البرلماني الثنائي»... الذي يعتبر باكورة «البيات البرلماني الصيفي» الطويل، ويسجل للنواب تبوّؤ الكويت المرتبة الأولى برلمانياً، وذلك بولادة أول «توأم استجوابي برلماني» في التاريخ... وبإلقاء نظرة على عمل الكتل البرلمانية، بغض النظر عن اتفاقها أو تخبطها في تلقي خبر الاستجوابات المطروحة، ينتاب المتابع شعورٌ جميلٌ بانتهاج النواب عملاً جماعياً، وشيءٌ طريف أيضاً أن نستمع إلى الرغبات بين الوقت والآخر بتنظيم العمل السياسي متمثلاً بأفراد المجتمع ككل... ولا أعرف إذا كان قانون الأحزاب سيرى النور قريباً، وهل جهود تسويقه ستلقى مباركة أعضاء البرلمان. وليسمح لي القارئ بأن أكرر اقتراحي، الذي طرحته في مقال عام 2005، وهو استحداث لجنة برلمانية موقتة لدراسة موضوع تنظيم العمل السياسي الكويتي، وأعني بالتنظيم السياسي تنظيم عمل الكتل البرلمانية، والتجمعات السياسية، في الوقت الذي أصبح البرلمان الكويتي مؤسسة لإدارة الصراع، بعيداً عن الشكل السلمي الدستوري الذي يحكمه مبدأ تعاون السلطات... فالنائب في أي برلمان يجد نفسه أمام اختيارين: إما ممارسة إيجابية تسعى إلى رفع سقف العمل السياسي، وتبني الدفاع عن المطالب الشعبية، وتعزيز المشهد الوطني، وإما ممارسة سلبية وخلق العقبات تحت حجة الحرص على أموال الشعب، ومقاومة مسار التغيير بوجهيه السياسي والاقتصادي، والتشكيك في المقترحات بأنواعها... وهنا أتساءل: ألم يحن الوقت للاستفادة من تاريخ المسيرة الديموقراطية الكويتية، وتطوير العمل النيابي، والتنسيق في طرح المشاريع البرلمانية لتقديم الأفضل؟ لاشك أن هناك حاجةً لتقييم العمل البرلماني مع جميع الكتل البرلمانية والتجمعات السياسية بما يخدم مشاريع الإصلاح، ومراجعة كيفية تشكيل الكتل البرلمانية ضمن اللوائح الداخلية. لو ألقينا نظرة على الكتل في البرلمانات الأوروبية، فسنجد أن منها من يشترط أن تكون الكتلة «مجموعة من النواب ينتمون إلى حزب سياسي واحد أو إلى مجموعة من الأحزاب يجمعها هدف واحد، بشرط عدم تنافسها في أي من المقاطعات» ومنها من يشترط أن يكون الانتماء إلى الكتلة وفق الانتماء إلى مجموعة انتخابية حققت الفوز ضمن نظام القائمة... وتتفق العديد من التشريعات البرلمانية على تحريم الاتحاد في الكتل البرلمانية، وفق معايير الطائفية والإثنية حفاظاً على البرلمان وحمايته، كالبرلمانين البلغاري والفرنسي. ومنها ما وضع الحجم العددي أساساً لتشكيل الكتل، كفرنسا وألمانيا، أما في برلمانات الخليج فما زالت الكتل غير واضحة لكونها دولاً غير حزبية، وبالتالي خاضعة «للعفوية السياسية»... مع تقديري للكتل بأنواعها: المستقلة منها القريبة من الطرح الحكومي، والإسلامية بأنواعها، والديموقراطية أيضاً. المرحلة القادمة تتطلب منا إعادة النظر في اللوائح الداخلية، لاستيعاب كتل جديدة، وحماية البرلمان من نسف الجهود الإصلاحية، وعلينا أيضاً الحرص على تمسك البرلمان بقواه التشريعية.وفي الختام... ونظراً إلى أن الاقتصاد هو سمة المرحلة القادمة... فتبرز الحاجة الماسة إلى تشكيل كتلة جديدة... ومن يدري لعلها تكون «كتلة برلمانية اقتصادية»!!