لماذا استقالت الحكومة؟
في اعتقادي أنه ليس باستطاعة أي منصف أن يقبل مبرر الحكومة بأن أداء المجلس،على سوئه، هو السبب الذي دعاها إلى الاستقالة، فالمعروف أن الحكومة لم تتقدم بخطتها التنموية لمجلس الأمة حتى الآن، رغم مضيّ أكثر من عامين ونصف العام على بدء الفصل التشريعي، كما تفتقد القدرة على المبادرة وتتسم سياساتها العامة بعدم الوضوح.
ما الأسباب الحقيقية التي دعت الحكومة إلى الاستقالة؟ كان هذا هو سؤال المليون كما يقال الذي يتداوله الناس منذ أن أعلنت الحكومة ظهر يوم الاثنين الماضي استقالتها، التي حمّلت مجلس الأمة المسؤولية عنها، حيث جاء في بيان استقالة الوزراء أنه «لمن المؤسف أن نواجه بمواقف وممارسات معوقة يتقدمها خلل في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وانحراف في مفهوم التمثيل البرلماني، وهو ما نستقري شواهده مما ساد الحياة السياسية في الآونة الأخيرة من مساس بالوحدة الوطنية إضافة إلى مظاهر التجاذب والتأزم وتجاوز الأصول البرلمانية وخروج عن الحدود التي رسمها الدستور واللائحة الداخلية للمجلس... هذا بالإضافة إلى ما برز أخيرا من ممارسات باتت تهدد وحدتنا وأمننا الوطني. وما تشهده الساحة الإعلامية من صخب وشحن وخروج عن ثوابتنا المعهودة». ولست هنا في وارد الدفاع عن ممارسات مجلس الأمة الحالي، الذي أتى نتيجة للنظام الانتخابي الفاسد، حيث انتقدت هذه الممارسات في أكثر من مقال، لا بل طالبت في مقال بتاريخ 15/8/2007 بضرورة إجراء انتخابات برلمانية جديدة لأن ذلك يعتبر مطلباً وطنياً ملحاً يتوافق مع الإرادة الشعبية التي طالبت بتعديل النظام الانتخابي في الحملة الشعبية «نبيها خمس». ولكنني أستغرب هنا أن تُحمّل الحكومة مجلس الأمة منفرداً المسؤولية عما يجري، ولا تعترف بأن أحد الأسباب الرئيسة، إن لم يكن السبب الرئيسي، لما حصل من مشاكل عامة متعددة وتوقف للتنمية في البلد وعدم قدرة الحكومة على الدفاع عن سياساتها أمام مجلس الأمة، الأمر الذي دفع بها أخيراً لتقديم استقالتها، هو عدم امتلاكها رؤية استراتيجية وخطة تنموية واضحة ومحددة، علاوة على فقدانها زمام المبادرة وعدم قدرتها على رسم وتنفيذ سياسات عامة مدروسة تتعدى الاجتهادات الشخصية لكل وزير على حدة، وتتجاوز ردود الفعل الوقتية، وتتماشى مع ما يقرره الدستور في المادة 123 حيث «يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية» وهذا ما جعلها، أي الحكومة، ضعيفة أمام مجلس الأمة ومترددة ومتناقضة في قراراتها وغير فاعلة في إدارتها للقضايا العامة.فالمعروف أن الحكومة لم تتقدم بخطتها التنموية لمجلس الأمة حتى الآن، رغم مضيّ أكثر من عامين ونصف العام على بدء الفصل التشريعي، كما تفتقد القدرة على المبادرة وتتسم سياساتها العامة بعدم الوضوح، وهنالك أمثلة كثيرة على ذلك كل منها جدير بالتوقف أمامه، بدءاً من موقف الحكومة وكيفية تعاملها مع موضوع تعديل النظام الانتخابي، مروراً بكيفية قراءتها للساحة السياسية وقدرتها على المناورة والتكتيك السياسي أثناء الاستجوابات المتعددة التي طالت بعض أعضائها خصوصا الاستجوابين المقدمين لوزير المالية ووزير الأوقاف والعدل السابقين، ثم تعاملها مع قضية أو أزمة التدوير الوزاري وما ترتب عليها من تبعات سياسية، و موقفها وطريقة تناولها لموضوع إسقاط القروض ثم قضية إدارتها لزيادة الرواتب، وبعد ذلك كيفية معالجتها لحادثة التأبين وما ترتب عليها من تداعيات كثيرة أجّجت الطائفية وكادت تعصف بالوحدة الوطنية، وانتهاء بكيفية معالجتها، أي الحكومة، لقضية التعديات الصارخة على أملاك الدولة.لذا ففي اعتقادي أنه ليس باستطاعة أي منصف أن يقبل مبرر الحكومة بأن أداء المجلس،على سوئه، هو السبب الذي دعاها إلى الاستقالة، ولكن على ما يبدو أن «وراء الأكمة ما وراءها»!