البدون ... القرار السياسي خلف ستار الجهاز الأمني كلفة تأخير الحل أكبر من حسمه اليوم

نشر في 26-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 26-10-2007 | 00:00

لم تكن مشكلة «البدون» في الكويت منذ صدور قانون الجنسية عام 1959 مشكلة أمنية كما يشتهي البعض تصويرها وتسويقها، وإنما كانت ولا تزال شكلا من أشكال العبث السياسي بأمن البلد من خلال تقريب هذه الفئة تارة، ونبذها تارة أخرى.

كلفة تأخير حل ملف «غير محددي الجنسية» في الكويت منذ عام 1985 (عام التجريد من الوظائف والخدمات) والى اليوم تعد كلفة متراكمة على الدولة أمنيا، وسياسيا، واجتماعيا، وحتى دوليا.

واضاعة فرصة الحل الذهبية التي اعقبت تحرير البلاد من الغزو العراقي عام 1991 تعد مشكلة مضافة، حيث تقلص عدد هذه الفئة من (مايقارب 230 ألف نسمة) الى (ما يقارب 120 ألف نسمة) بعد خروج كم هائل من «البدون» خارج البلاد اثناء الغزو.

كما ساعدت الجهود، التي بذلتها وزارة الداخلية عبر اللجنة التنفيذية المختصة في تحديد وفرز العدد الاجمالي الى شرائح مختلفة يمكن التعامل معها، وذلك بغض النظر عن الاراء الناقدة لعمل اللجنة، ساعد هذا الجهد على اضافة نوع من الضغط على دوائر القرار السياسي الذي هو لب المشكلة وأساس التأخير في الحل.

وربما ساهم اصرار الساسة الكويتيين على وضع مشكلة (البدون) في يد الجهاز الأمني في خلق اجواء غير مواتية وغير مشجعة لحلها، إذ اثار هذا الاحتكار الى تصوير الموضوع وكأنه أمني بالدرجة الاولى رغم كونه موضوعا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، كما ساهمت التصريحات الرسمية ومن اعلى المستويات في قرب حل مشكلة البدون، أو ان الموضوع سيحسم خلال 6 اشهر او سنة... هكذا، ساهم ذلك في تعلق افراد هذه الفئة بآمال وهمية، بينما اثار الاستغراب تصريحات اخرى بأن 20% من فئة البدون المسجلين يستحقون الجنسية دون التقدم بخطوة لتجنيسهم، ولم ينتبه مطلقو التصريحات تلك الى تناقضها مع سياسة اللجنة التنفيذية المتشددة والتي تهدف الى اخراج المدعين لوثائقهم الاصلية.

ويبدو ان سياسة التضييق التي مارستها وزارة الداخلية عبر اجراءات محددة من قبل اللجنة التنفيذية (منع اجازة القيادة، عدم توثيق عقود الزواج، التضييق على حرية التنقل، حجب العلاج والتعليم المجاني) جاءت بجزء من الهدف المنشود، حيث تم فرز العدد الاجمالي بحسب شرائح واضحة كمن لديه احصاء 1965، ومن لديه اقارب كويتيون بالتأسيس، ومن ثبت انتماؤه الى جنسيات اخرى، ومن عليه قيد أمن، وغير ذلك.

وهو ما يسهل اتخاذ قرارات اخرى لاحقة بشأن التجنيس، او تعديل بعض الاوضاع الحالية تجاه البدون، إلا ان سياسة التضييق هذه ورغم ما ذكرنا بأنها جاءت بفوائد ايجابية، فان حضور القرار السياسي اصبح اكثر الحاحا من ذي قبل فالتأخير اصبح من طرف السياسي وليس المستوى الامني والاستمرار في المماطلة وعدم اتخاذ القرارات الحاسمة ادت الى نتيجتين سلبيتين، الاولى هي: احراج الجهاز الأمني والضغط عليه لمواجهة النقد العام تجاه قضية البدون، والثانية: في اعتبار ما يمارس تجاه البدون من تضييق وكأنه سياسة منهجية متعمدة حتى لو نفى المسؤول السياسي ذلك.

في سياق آخر، اصبح الحديث عن الفصل بين ما هو انساني وسيادي بالنسبة الى تحريك ملف البدون نحو الحل حديثا مهما في المجتمع، فالمعاناة التي يتكبدها افراد هذه الفئة من الحرمان من ابسط الحقوق المعاشية اليومية خلال اكثر من 20 عاما من التضييق (بدأت عام 1985) اصبحت لا تطاق، وتهدد امن البلاد في اكثر من موقع خاصة مع الكم الكبير الذي تمثله هذه الشريحة والتي تزيد بقليل عن 120 الف نسمة.

ويثير بعض المراقبين تخوفات من جراء التأخير غير المبرر لحل هذه المشكلة من ان حلولا من الخارج ستفرض على متخذ القرار لتحريكها بالشكل الذي تحتمه شرعة حقوق الانسان بحسب اتفاقيتين دوليتين صادرتين عن الامم المتحدة بشأن عديمي الجنسية، بشكل يذكر بالضغوط التي اثمرت حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية.

وينتقد البعض الاجراءات والحلول الجزئية للمشكلة عبر تسهيل بعض الخدمات لشرائح محددة، كأبناء العسكريين، وابناء الكويتيات المتزوجات من غير محددي الجنسية، وانشاء صندوق لتعليم المحتاجين، وصندوق الخدمات الصحية، ويرى هؤلاء في هذه السياسات الوقتية نوعا من التناقض بين سياسات متشددة تطبقها اللجنة التنفيذية لمعالجة اوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وبين سياسات مجلس الوزراء الذي يحاول بين فترة واخرى تخفيف الاحتقان الانساني ضد هذه الفئة، وهو ما يعكس صورة مرتبكة في التعاطي مع هذه المشكلة، ويوقع الجهاز الامني في حرج لأنه الملام في سياسات التضييق رغم انه منفذ لسياسات عليا.

وعلى مستوى التعاطي الشعبي والمدني مع القضية، فقد اثبتت العقود الفائتة تواضع الجهود المبذولة لتشكيل حركة ضغط تجاه متخذ القرار، فحتى الجهود البرلمانية في هذا الشأن لم تصل الى حد التعاطي الشامل، بل جاءت لتعالج أحوال فئات محددة ضمن الشريحة الكبرى وينسحب هذا الحديث على قانون تجنيس 2000 شخص كل عام والذي تخاذل المجلس في تطبيقه بصفته جهاز رقابة، بينما مؤسسات المجتمع المدني كانت ولا تزال تتحرك بخجل تجاه فئة البدون وهو وضع اتاح للحكومة فرصة إلقاء الجمرة في يد وزارة الداخلية التي انتهت من جوانبها الفنية والاحصائية والامنية. القرار السياسي اذا مطالب باعلان برنامج شامل لجميع الشرائح مرتبط بجدول زمني يأخذ في الاعتبار الكلفة الاجتماعية والمالية والتنموية للحل، ومن دون ذلك سيظل ابناء هذه الفئة اسرى صناديق التعليم والعلاج المؤقت!!

من هم البدون؟

البدون هم أولئك الذين لم يحصلوا على الجنسية لأسباب متعددة بعد صدور قانون الجنسية سنة 1959، على الرغم من إقامتهم في الكويت لعقود عدة زادت أحياناً عن الجيل الرابع.

وهم أولئك الذين شجعتهم الحكومة الكويتية على البقاء في وضعهم الحالي، إلى درجة أنها سجلتهم في التعداد العام ككويتيين حتى الثمانينيات من القرن الماضي. وقد منحتهم الحكومة امتيازات أفضل من غير الكويتيين المقيمين، حتى بلغت نسبتهم في الأجهزة الأمنية أكثر من 80%، وتم قبول أبنائهم في المدارس والجامعة، بل وحصلوا على البعثات الحكومية إلى الخارج وتم توظيفهم في الأجهزة الرسمية بصورة مقاربة للكويتيين.

إلا أن ذلك الوضع الاستثنائي تحول بين ليلة وضحاها إلى معاناة مأساوية سنة 1986، حيث بدأت الأجهزة الرسمية تضيّق عليهم، وقد تزايدت وتصاعدت وتيرة وقسوة هذه المضايقات شيئاً فشيئاً لتصل إلى الوضع المأساوي الذي نعيشه اليوم.

● ما المسميات التي أطلقتها الدولة على البدون؟

يلاحظ على قضية البدون أنها لم تستقر على اسم أو صفة مما يدل على درجة التخبط حيالها.

ففي حين كان يتم وضع خط أحمر أمام خانة الجنسية في الستينيات، تغيرت لاحقاً لتصبح «بادية» ثم أصبحت «بدون» حتى عام 1985 لتصبح «غير كويتي»، ثم «غير محدد الجنسية»، والى وقتنا الحاضر وهو «مقيم بصورة غير قانونية».

وقد اتضح أن تلك التغيرات لم تكن إلا محاولات وفزلكات قانونية للتخلص من مسؤولة الدولة الأخلاقية والقانونية تجاه البدون، وهي مسؤولية لن تستطيع الدولة منها فكاكاً مهما تعددت تلك المحاولات، فهي مسؤولية رسمها الدستور الكويتي والقانون الدولي والتزامات دولة الكويت الراسخة في هذا المضمار.

● ما الحقوق المحروم منها البدون؟

بدأت الحكومة بتغيير سياستها المؤيدة بشدة للبدون الى سياسة تضييقية وتعسفية ضدهم منذ العام 1986، ونتج عن تلك السياسة الحكومية حرمان البدون من الحقوق التالية:

- الحرمان من حق المواطنة.

- الحرمان من حق السكن.

- الحرمان من حق التنقل كالسفر والحرمان من الحصول على

اجازة قيادة للتنقل داخلياً. فكيف لنا أن نقبل المنطق الذي يسمح لعسكري بدون أن يقود دبابة في الجيش الكويتي ولا يُسمح له بقيادة سيارة مدنية.

- الحرمان من العمل في المؤسسات الحكومية، ومنع المؤسسات الخاصة من توظيفهم، وقد استخدمت لتحقيق ذلك الكثير من الحيل والبيروقراطية، مما أدى الى تفاقم مشكلة البطالة وما ترتب عليها من مشاكل ناتجة عنها.

- الحرمان من الهوية الشخصية والحرمان من التكافؤ في الوصول الى القضاء، وقد أدى الحرمان من الهوية الشخصية الى وجود الآلاف منهم من دون بصمات لهم أو أي معلومات عنهم، ما يشكل ظاهرة خطيرة أمنياً.

- الحرمان من توثيق عقود الزواج، مما دفعهم أحياناً إلى الزواج العرفي غير المسجل أو دخولهم في متاهات رفع دعاوى ضد الحكومة الكويتية أمام القضاء، وانسحب ذلك على حرمانهم كذلك من الطلاق.

- الحرمان من حق التعليم في المدارس الحكومية وجامعة الكويت، ولا يخفى على أحد أن ضعف ذات اليد لدى البدون بسبب حرمانهم من التوظيف، قد أضعف امكاناتهم في تحمل مصاريف المدارس والجامعات الخاصة، مما زاد نسبة الأميّة في الكويت.

- الحرمان من الحصول على شهادة الميلاد وما يترتب عليها من عدم تطعيم للمواليد.

- الحرمان من الحصول على شهادة وفاة وهو بمنزلة حرمان من الموت، حيث لا يمكن القيام بأي اجراءات خاصة بالمتوفى كحصر وراثة وغيرها من دون صدور شهادة وفاة.

● هل هناك حل للمشكلة؟

هناك العديد من الحلول التي أسهمت بوضعها واقتراحها العديد من الجهات، كالجمعية الكويتية لحقوق الانسان، ولجان مختلفة في مجلس الامة، بالاضافة الى اجهزة حكومية تتمثل أبرزها بتفكيك البدون الى شرائح، ومن ثم منح الجنسية لمن يستحقها، وربما منح الإقامة الدائمة لشرائح أخرى والتوقيع على اتفاقيتي انعدام الجنسية وإنهاء المعاناة الإنسانية بصورة عاجلة.

● ما القيد الأمني؟

لعل أبرز وأشد وسائل التضييق ضراوة هو استخدام إجراء ابتدعته لجنة البدون باسم القيد الأمني، من خلال وضع قيود أمنية على البدون لا مبرر ولا سند قانونيا لها، أو تعتمد على تحريات غير جدية. فعلى سبيل المثال لو تزوجت فتاة بدون من شخص خليجي أو عربي، فان اللجنة تقوم مباشرة بوضع جنسية زوجها على أساس أنها جنسية جميع أقاربها ممن يرتبطون بها حتى الاسم الرابع، بل إنه يتم اجبارهم على استخراج تلك الجنسية، ويحدث ذات الاجراء لو استخرج شخص بدون جنسية معينة أو هاجر الى بلد عربي، فان اللجنة تعتمد تلك الجنسية لكل من يمت له بصلة قرابة وتطالبهم بالانتساب إليها، ولو كانت تلك القيود الأمنية صحيحة وقانونية وتعتمد على تحريات جدية لأحالت أصحابها الى القضاء وهذا لم يحدث.

● ما تعقيدات المشكلة مستقبلاً؟

من الواضح أنه لا يوجد تصور جدي لدى الحكومة لحل المشكلة، أو حتى التخفيف من تداعياتها، فقد استمرت الحكومة في محاولاتها انجاح سياستها التشددية بتشجيع البدون على الحصول على جوازات مزورة لدول لم يسمعوا بها في حياتهم، بل ان لجنة البدون كانت تضع اعلانات في مقرها حول مكاتب شجعتها الحكومة لبيع تلك الجوازات المزورة من دون تقدير لعواقب تلك الاجراءات.

فماذا سيحدث بعد انتهاء مدة صلاحية تلك الجوازات المزورة التي شجعتها اللجنة على شرائها؟

ان التعقيدات السياسية والأمنية والاجتماعية على الكويت لهي أخطر مما يتوقع أولئك الذين يريدون حلاً سريعاً لإظهار أن سياسة التشدد قد نجحت حتى لو تم ذلك بالتزوير.

● ما اللجنة التنفيذية للمقيمين بصورة غير قانونية

... وما دورها؟

هي اللجنة التي أنشئت ابتداءً من عام 1993، ثم تم تعديلها بوضعها واسمها الحالي عام 1996، وهي الادارة التي تستخدمها الحكومة في الضغط والتشديد على البدون، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الانسانية، خصوصا من خلال التساهل في استخدام ما يسمى بالقيد الأمني، وقد أسهمت ممارسات اللجنة وعدد من المسؤولين فيها بالإساءة الى سمعة الكويت عالمياً.

المصدر: الجمعية الكويتية لحقوق الانسان

back to top