صوت الموسيقى العذب والباقي!
في عام 1959، بدأ عرض مسرحية «صوت الموسيقى» على مسارح «برودوي-Broadway»، معتمداً على قصة حقيقية لعائلة «فون تراب- Von Trapp»، وليعلن بذلك عن ميلاد مسرحية موسيقية آسرة سلكت طريقها إلى الشهرة والخلود الفني.
في نهاية الشهر الثالث من عام 1965، عُرض للمرة الأولى فيلم «صوت الموسيقى – The Sound Of Music» للمخرج روبرت وايز Robert Wise، بطولة جولي أندروز Julie Andrews، وكرستوفر بلمر Christopher Plummer، حيث رُشح، في العام نفسه، لنيل عشر جوائز أوسكار، حاز على خمس منها. ومنذ ذلك التاريخ، عُدَّ فيلم «صوت الموسيقى» واحداً من أمتع الأفلام التي عرفتها السينما الموسيقية العالمية، وضمن لنفسه مكانة مرموقة فيما يسمى، بكلاسيكيات «السينما الباقية – Timeless Classic»، وبما يعني قدرة الفيلم الساحرة على تحدي الزمن، وإمتاع المشاهدين من كل الأعمار، في مختلف أقطار المعمورة. لقد كان عرض مسرحية صوت الموسيقى موجهاً بالأساس إلى جمهور برودوي في الولايات المتحدة الأميركية، لكن عرض الفيلم شمل دور السينما في العالم بأسره، ولاقى نجاحاً مدوياً منقطع النظير، انطلقت على أثره أعمال مسرحية كثيرة، للقصة نفسها، على مسارح أميركا وأوروبا، ومازال بعضها دائراً حتى يومنا الراهن، كما هي الحال مع عرض مسرح «لندن بالاديم London Palladium». إن العلاقة بين المسرح والسينما وثيقة، مع خصوصية كل فن، واحتوائه على مقومات وتقنيات تختلف عن الفن الآخر. فالسينما تعتمد على تصوير مشاهد مختلفة، وفي مواقع متغيرة، مستفيدة من إمكان إعادة المشهد أكثر من مرة، وتالياً تركيب الموسيقى والمؤثرات الصوتية المصاحبة للمشاهد. وأخيراً فإن عملية المونتاج بحضور المخرج، تعيد رسم خارطة الفيلم، ووضعه بالصيغة النهائية قبل عرضه على الجمهور. مع ضرورة التنبه لملاحظة أساسية، هي أن العرض السينمائي يختصر العلاقة لتكون بين المشاهد وشاشة العرض، مع بقاء الممثل بعيداً، بينما إحدى أهم أساسيات العرض المسرحي، هي العلاقة المباشرة بين الفنان والمشاهد، وتفاعل وتأثر كلٌ منهما بأداء الآخر. إن العرض المسرحي الموسيقي لمسرحية «صوت الموسيقى» الدائر على مسرح «لندن بالاديم»، يقدم المسرحية بتقنيات معاصرة عالية الفنية، تحاكي مشاهد الفيلم، وتضيف عليها حضور وحركة الممثلين المتقن من خلال أدائهم المدهش، ومن خلال قدرة المؤثرات الضوئية والصوتية على خلق بيئة مماثلة للبيئة الحقيقية، التي دارت فيها أحداث قصة الفيلم، وكل هذا يأتي مصحوباً بعزف موسيقي حي لجميع الأغاني، لتُخلق في المحصلة متعة فنية خالصة، وخاصة جداً. للفن قدرة عجيبة وساحرة على توحيد العالم، وقدرة أخرى لا تقل أهمية عنها في تقديم متعة، تبعث على توازن الإنسان مع من حوله، وإعطائه مزيداً من الأمل في الغد، وربما هذا وحده يفسر السبب وراء نجاح وبقاء فيلم أو مسرحية أو قطعة موسيقية، تنتقل من جيل إلى جيل، وتعبُر من قارة إلى أخرى!