تنفرد «الجريدة» بنشر دراسة أميركية تتنبأ بأفول نجم «القاعدة» وفقدانها الجاذبية في غضون السنوات المقبلة. تنبأت دراسة أميركية بأفول نجم تنظيم «القاعدة» وفقدانه الجاذبية بين العديد من الشعوب العربية في غضون سنوات قليلة مقبلة، وذلك إثر الإخفاقات والضربات المتلاحقة التي تعرّض إليها، فضلا عن الاختلالات الهيكلية المتجذرة في طبيعة التنظيم منذ نشأته، وعلى مر المراحل التي مر بها منذ تأسيسه. وقال معدو الدراسة التحليلية التي أصدرها «مشروع هارموني» التابع لمركز مكافحة الإرهاب في كلية «وست بوينت» العسكرية الأميركية في نيويورك، تحت عنوان «شروخ في الأساس»، إنهم توصلوا إلى استنتاجاتهم إثر إجرائهم بحوثاً متعمقة ومتأنية وموثّقة في هيكل التنظيم ونشأته وعلاقاته التراتبية ومنظومة الأهداف والاستراتيجيات والإيديولوجيات التي يتبناها، علاوة على دراستهم لوثائق ومستندات ومراسلات قادة وزعماء تنظيم «القاعدة»، وهي الوثائق التي تكشف الدراسة النقاب عنها لأول مرة.وتسعى الدراسة، التي تنفرد «الجريدة» بنشرها على خمس حلقات، إلى استعراض أهم التحديات التي تواجه مستقبل «القاعدة»، مؤكدة أن نمط الصراع الداخلي الذي يتبدى جلياً من وثائق «هارموني» لا يلقي الضوء على حالات فشل «القاعدة» السابقة فحسب، بل يقدم أيضاً لمحة ثاقبة عن أسباب ضعفها الراهن، وهو الأكثر أهمية، إذ يكتنف تنظيم «القاعدة» اليوم تحديات جسيمة، في مقدمها طبيعة الخلافات الجوهرية التي نشبت بين قياداته منذ بداية نشأته، ومن المرجح أن يتواصل الانشغال بها طالما بقي على قيد الحياة.تمهيد يمثل تنظيم «القاعدة» بالنسبة الى الإرهاب ما تمثله «المافيا» للجريمة، لكن هدفها ليس جني المال، بل هو إعادة تشكيل العالم وفرض معتقداتها المتطرفة على الناس في كل مكان.الرئيس الأميركي جورج بوشفي20 سبتمبر 2001 باتت أهداف «القاعدة» المتعلقة بالمدى القريب مشهورة اليوم، وهي تتمثل في إجبار الولايات المتحدة على الانسحاب من الشرق الأوسط، وإنشاء دول إسلامية في المنطقة، كما ان استراتيجيتها العامة معروفة بالمثل، وهي تحريض الولايات المتحدة على إبقاء قوات برية في المنطقة، وبذلك تستنزف رغبتها في البقاء هناك، لكن هذه الأهداف والاستراتيجية تطورت مع مرور الوقت، وهي نتاج الظروف ومشاكل «القاعدة» الداخلية بنفس قدر كونها نتاجا للتخطيط المدروس.فئتان في «القاعدة»واستنادا إلى الاتصالات الداخلية لـ«القاعدة»، والمنشورة حديثا من قاعدة بيانات «هارموني» التابعة لوزارة الدفاع، قام وحيد براون وزملاؤه في مركز مكافحة الإرهاب (CTC) بالتأريخ لظهور فئتين في «القاعدة»: المخططون، والدعاة.اعتمدت كل فئة استراتيجيات مختلفة لتحقيق أهدافهما العليا المشتركة. فتعهدت الفئة الأولى ببناء منظمة فدائية فعّالة وبمهاجمة الغرب بطرق مشابهة لتلك التي تستخدمها المنظمات العسكرية غير النظامية الأخرى المنخرطة في نزاع غير متكافئ. وعلى النقيض من ذلك، أرادت الفئة الثانية ترسيخ «القاعدة» كـ«ماركة عالمية»، أي معيارا للقتال يمكن أن يلهم ويوحد الجماعات المنخرطة في «المقاومة الإسلامية» العنيفة حول العالم. وضعت السياسة الأميركية تجاه «القاعدة» بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 أولوية لتقليل قدرات الفئة الأولى، وبالتالي، حققت الجهود التي تقودها الولايات المتحدة نجاحاً بارزاً في أسر وقتل زعماء وناشطي «القاعدة»، وشلّ هيكلها التنظيمي، وتقليص قدرتها على تنسيق الهجمات الإرهابية حول العالم، وكما يشير هذا التقرير، على أية حال، فإن القوة الحقيقية لـ«القاعدة» لم تتمثل أبداً في كونها قوة فدائية مقاتلة، بل انها تكمن في قدرتها على تحويل المخاوف المحلية للناشطين الإسلاميين إلى ما يصفه هذا التقرير على أنه «رؤية موحدة للصراع المحتوم بين الحضارات»، ولأن هذه القدرات والمدافعين عنها مازالوا في أماكنهم، تواصل «القاعدة» تحقيق النجاح. المكافحة الفعالة للإرهابإن المكافحة الفعّالة للإرهاب يجب أن تواجه هذه القدرات بصورة أفضل، كما ان الأدوات والوصفات اللازمة للقيام بذلك تقع في معظمها خارج عالم الخيارات العسكرية الذي أبلى بلاءً حسناً ضد الفئة الأولى. إن تقليل جاذبية «ماركة القاعدة»، بتقليص أسهمها في السوق الأيديولوجية، سيتطلب مقاربات مبتكرة ومتعددة الأطراف، حيث نادراً ما تظهر اليد الأميركية أو يشك في وجودها. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن تُبذل جهود أكبر لإتلاف أذرع توزيعها الإعلامية. وأخيراً، يجب أن يستمر الاستهداف الهجومي لكبار زعماء «القاعدة»، ويتمم الجهود المبذولة لتقليص جاذبية ماركتها. وكما يوضح هذا التقرير، فإن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري يمثلان تجسيداً للماركة، بحيث تعمل كل صورة جديدة لهما على تعزيز صورة ماركة «القاعدة» كمنظمة لا تقهر. وبالتالي، فإن أسر أو قتل زعيمي «القاعدة» الكبيرين، هذين «الأيقونيين»، سيقوض الجاذبية الرمزية لـ«القاعدة» ويساعد في نزع الشرعية عن الأيديولوجية المتطرفة التي يروجان لها في العالم الإسلامي. المقدم د. جوزف هـ. فلترمدير مركز مكافحة الإرهابقسم العلوم الاجتماعية كلية «وست بوينت» في نيويورك• المقدمةمنذ بداياتها في أعقاب «الجهاد» المضاد للغزو السوفييتي لأفغانستان، كان تنظيم «القاعدة» في حالة حرب مع نفسه، ففي النزاعات التي كانت في معظمها مخفية عن الجمهور الأوسع، كانت القيادت في معركة مستمرة حول ما يجب أن تكون عليه «القاعدة»، أي استراتيجية يجب عليه اتباعها؟ وحتى مَن أعداؤه الحقيقيون؟ وفي مرحلة مبكرة للغاية من تطور «القاعدة» ظهرت فئتان، واحدة ملتزمة ببناء منظمة فدائية فعالة، وواحدة مصممة على ترسيخ «القاعدة» كماركة عالمية، أي كمعيار قتالي يمكن أن يعتمده أي كان، وجميع المنخرطين في أنشطة المقاومة الإسلامية العنيفة. حدّد النزاع بين هذين القطبين كل الانشقاقات الرئيسية في قيادة «القاعدة»، مع خروج المعسكر الأخير، بقيادة أسامة بن لادن، منتصراً في كل مرة تقريباً، وفي النهاية، نجح «مديرو العلامة التجارية» في تحويل «القاعدة» من منظمة شبه عسكرية أساسها الولاء، ذات تنظيم متكامل مع تدرج رسمي في كوادر القيادة والسيطرة، إلى شعار أو راية أيديولوجية قادرة على إلهام الخلايا المحلية من أي حجم، والتي يتعهد أعضاؤها بالولاء ليس لأي شخص بعينه، بل إلى منظور «الجهاد» الذي تجسده «القاعدة». إن أصول ونتائج هذا النزاع القديم، وحتى وجوده، تبقى غير مفهومة بالكامل من قبل صناع السياسة الأميركيين، وفي حين أن جهود الولايات المتحدة وحلفائها لاستهداف قدرة «القاعدة» التنظيمية حققت مكاسب ملموسة ومكتسبة بصعوبة، يجب عمل المزيد لتقليص قدرة «القاعدة» على التحكم في ماركتها وتسليط الضوء عليها، لإلهام المحاربين المتفرقين والمعزولين من «السنة» للقتل باسمها.هذه هي التبصرات الرئيسية التي تظهر من التحليل، الذي سيأتي لاحقاً، للوثائق التي سُمح بنشرها من قاعدة بيانات «هارموني» وتم توفيرها لمركز مكافحة الإرهاب من قبل وزارة الدفاع. التسويق والبيروقراطيةعلى الرغم من أنه كان من المعروف منذ فترة طويلة أن تنظيم «القاعدة» يعاني انشقاقاً على مستوى القيادة، فإن هذه الوثائق تتيح لنا اكتساب تبصرات جديدة إلى المحرك الذي يوجه تلك النزاعات، وتسلط الضوء على نقاط الضعف التي خلقتها هذه النزاعات في المنظمة، في ما انتهى إلى صراع بين التسويق والبيروقراطية. وطالما رجّح تنظيم «القاعدة» قدرته لإلهام حركة أوسع، وعلى تطوير قدراته التنظيمية لتحقيق الأهداف العسكرية الاستراتيجية. وفي حين حارب واضعو استراتيجيات حرب العصابات داخل التنظيم من أجل الموارد اللازمة لبناء منظمة عسكرية فعالة للقيادة والسيطرة، فإن زعيميها الرئيسيين، أسامة بن لادن وأيمن الظواهري فضّلا البيانات الصحافية على الاستعداد في ساحة المعركة. وأدى تفضيل «القاعدة» للتسويق، وعدم الأهلية العسكرية لزعمائها المستبدين، والشراسة غير المتوقعة لرد الولايات المتحدة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلى جعل «مديري العلامة التجارية» الوحيدين الذين بقوا. ولا يعني هذا القول إن تنظيم «القاعدة» لم يكن قادراً على تهديد المصالح الأميركية بصورة مؤكدة عبر تنفيذ أعمال عنف مدمرة وإن كانت معزولة، فقد كان قادراً على ذلك. لكن قوته الحقيقية لم تكمن أبداً في كونه قوة مقاتلة، بل في تحويل ما ظل تقليدياً بمنزلة مخاوف محلية للناشطين الإسلاميين إلى رؤية موحدة للصراع المحتوم بين الحضارات.تاريخ التحوّل والانقساماتإن التحليل المستند إلى البيانات المأخوذة من وثائق «هارموني»، يرسم تاريخ هذا التحوّل والانقسامات الداخلية التي اكتنفته. وتلقي وثائق «هارموني» بالضوء على مشكلات التماسك التي تربك المنظمات الجهادية السلفية التي يعود تاريخها الى أكثر من ثلاثين عاماً. وتزودنا واحدة من هذه الوثائق، والتي تم تحليلها في تقرير «هارموني» الأول لمركز مكافحة الإرهاب، بـ«تقرير مطول لما بعد الفعل» عن النشاط الجهادي الفاشل في سورية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، ويحدد مؤلفه، أبو مصعب السوري، الانشقاق وسوء التنظيم على مستوى القيادة باعتبارهما العامل المنفرد الأكثر أهمية في فشل تلك الحركة. وكما تُظهر الأدلة المستقاة من وثائق «هارموني» التي ستتم مناقشتها، كان هذا بمنزلة تحدٍ مستمر لـ«القاعدة» أيضا.وفي حين كانت النقطة الأساسية المتمثلة في التسويق مقابل البيروقراطية -والملخصة أعلاه- هي القوة الدافعة باستمرار، ففي نقاط مختلفة من تطوّر «القاعدة»، حدث تغير في نطاق ونتائج هذا الصراع على القيادة. خلال المرحلة الأولى، اعتبارا من تأسيس المنظمة عند انتهاء الجهاد المضاد للاحتلال السوفييتي لأفغانستان وحتى عودة القيادة إلى جنوبي آسيا بعد المشكلات التي عانتها في أفريقيا، فشل تنظيم «القاعدة» في كلتا المنطقتين، فلم يُنشئ منظمة فدائية فعالة ولا رسالة جهادية متينة.وفي المرحلة الثانية من إعادة تأسيس «القاعدة» في أفغانستان إلى تفرقها من ذلك الملاذ بفعل الهجمات التي تقودها القوات الأميركية، كان «القاعدة» قادراً على استغلال الأمن النسبي الذي نعم به بفعل تحالفها المضطرب مع حركة «طالبان» لكي يتطوّر ويبدأ في «تسويق» رسالته المعادية للأميركيين. ومع أن تنظيم «القاعدة» كان قادراً خلال تلك الفترة على تنفيذ الأعمال الإرهابية الواسعة النطاق التي اشتهر بها -أي تفجيرات عام 1998 لسفارتين أميركيتين في أفريقيا، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001- فقد أدت الانقسامات الداخلية حول قرار استهداف الولايات المتحدة إلى تقليل قدرة «القاعدة» التنظيمية بشدة.وخلال المرحلة الثالثة والحالية، والتي بدأت بردّ الولايات المتحدة على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فإن تنظيم «القاعدة» كبيروقراطية تتم السيطرة عليها مركزياً اختفت تقريباً، مع تفرق، أو أسر أو قتل معظم زعمائها العسكريين والاستراتيجيين البارزين. وفي هذه الفترة، تقلّصت قيادة «القاعدة» في معظمها إلى منظمة إعلامية، في حين خلقت حرب العراق سوقاً لرسالته، وهو ميدان يمتلك فيه الجهاديون اتصالات قليلة أو معدومة مع بقايا بيروقراطية «القاعدة» المركزية يمكنهم تسلّم (وبالتالي تعديل) راية التنظيم.