Ad

العنصرية لا تحارب بعنصرية أخرى، ولا بالتعصب القبلي كأن يقوم مثلاً بعض المواطنين من ذوي الأصول القبلية، وبعض ممثليهم في البرلمان باتخاذ مواقف معينة بناء على اعتبارات قبلية بحتة، لأنهم بذلك يشاركون د.العوضي القارب نفسه.

إن عدم إيمان د.العوضي بالدستور جعله يعلن، بشكل لا يُحسد عليه، أنه أحد المخططين للانقلاب على الشرعية الدستورية، ليس ذلك فحسب، بل إنه يدعي أنه كان أحد متخذي قرار الانقلاب، حيث يقول «... وهو ما دفعنا الى حل مجلس الأمة لأننا رغبنا في إعادة تشكيل الدستور فلا يمكن للدستور المصاغ أن يلائم الواقع السكاني»!

وهنا، ولا حسد أيضاً، فإن التاريخ سيسجل اسمه كأحد الوزراء السابقين المتآمرين على النظام الديموقراطي، الذي بينه الدستور، رغم قسمه المتكرر على احترامه! ويا ليته وضح للشعب الكويتي وللتاريخ من يقصد عندما يقول «إننا»؟ من هم؟

على أن أخطر ما ورد في كلام د.العوضي هو قوله «زاد التمثيل الشعبي لأشخاص غير منتمين الى الكويت التي نعرفها والتي بني عليها الدستور»! وهذا كلام خطير جداً يهدد وحدة المجتمع، ولا يمكن السكوت عنه، واستغرب حقاً صمت القبور الذي تلوذ به جمعية حقوق الإنسان الكويتية ولجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة! فقد وصل التمييز العنصري الجمعي ضد قطاع واسع من المواطنين الى درجة اتهامهم بعدم الولاء للوطن، وكأنه بذلك يوزع «صكوك» الانتماء الوطني! فمن هو ليقوم بذلك؟ وكيف يتجرأ على المجاهرة بهذا الموقف العنصري الفاضح؟! إن الذي يعرفه العالم أن جميع الكويتيين بطوائفهم وعائلاتهم وقبائلهم وعشائرهم كافة، وبمختلف أصولهم كانوا متمسكين بشرعيتهم الدستورية مدافعين عن سيادة وطنهم، مضحين بأرواحهم رخيصة من أجل الوطن أثناء محنة الاحتلال البغيض، وتلك هي أسطع وأبلغ صور الانتماء الوطني.

لقد كان د.العوضي وزيراً في الحكومة لثمانية عشر عاماً، والآن يتضح لنا لماذا كانت السياسات العامة التي ساهم في رسمها ونفذها في الوزارات العديدة التي تولاها فاشلة؟ لأنها كانت تُبنى على أسس عنصرية بغيضة أفصح عنها اخيراً، بل وأسبغ عليها من نزعاته الطائفية ليزيد الأمر سوءاً، فماذا نتوقع من وزير كان يتولى لفترة طويلة وزارة الصحة ثم وزارة التخطيط، وهو بهذه العقلية العنصرية؟! ماذا نتصور أن تكون اتجاهات الخطط الاستراتيجية التنموية للدولة، إن وجدت؟ ألا يساهم ما ذكره في تفسير رداءة الأوضاع العامة التي نعيشها اليوم؟ كما نتساءل هنا هل شخص بهذه العقلية العنصرية كان من الممكن أن يكون عادلاً في سياساته العامة، ولا يقوم بتنفيع نفسه وجماعته؟ ثم ألا يُعتبر ذلك اعترافاً منه بالمسؤولية عن فشل مشروع الدولة الدستورية، وازدياد القبلية والطائفية والفئوية؟ وبأنه ومن خلال مسؤوليته في المشاركة برسم السياسة العامة للدولة لم يقم باتخاذ السياسات التي تضمن اندماج جميع مكونات المجتمع الكويتي وذوبانها في الهوية الوطنية. لا بل، قد يكون اتخذ سياسات عنصرية تؤجج الانتماءات المتوازية وترعاها! وعندما يرى المواطن أن الدولة تعامله بناء على أصله أو طائفته، وأن القانون لا يسود على الجميع، فقد يضطر الى الاحتماء بأي تكوين اجتماعي (قبلي، طائفي) يضمن له حقوقه التي لا تحميها الدولة.

بقي أن نؤكد مرة أخرى أن العنصرية لا تحارب بعنصرية أخرى، ولا بالتعصب القبلي كأن يقوم مثلاً بعض المواطنين من ذوي الأصول القبلية وبعض ممثليهم في البرلمان باتخاذ مواقف معينة بناء على اعتبارات قبلية بحتة، لأنهم بذلك يشاركون د.العوضي القارب نفسه، ويعطلون اندماج المواطنين في الدولة الدستورية الديموقراطية التي ندعو إليها، والمحزن أن الدولة نفسها بدلاً من أن تعمل على إلغاء الانتماءات المتوازية (القبلية والطائفية والمناطقية)، وتأكيد الاندماج والانتماء الوطني فإنها تشجعها، حيث يتم مثلاً توزير مَن نجحوا في انتخابات فرعية قبلية مجرَّمة قانونياً، وأيضاً العمل بالمحاصصة الطائفية والفئوية، وهو ما قد يخلق - إن لم يكن قد خلق بالفعل- بدلاً من المجتمع الواحد، مجتمعات صغيرة فرعية متجاورة ومتنافسة، بل و«متحاربة» أحيانا كثيرة، بينها جدران عازلة بدلاً من الجسور.

إن من مصلحة القوى العنصرية أن تستمر التفرقة العرقية والطائفية بين المواطنين حتى تضمن حماية مصالحها الاقتصادية وهيمنتها على المجتمع، لذا فإننا نرى ضرورة قصوى لتفعيل مبدأ المواطنة الدستورية الذي يرسخ الانتماء إلى الأرض والوطن بغض النظر عن أي انتماءات سابقة لتشكل الدولة الدستورية الحديثة. فكلنا مواطنون كويتيون متساوون لنا الحقوق نفسها، وعلينا الواجبات نفسها، وهذه الأرض الطيبة لنا جميعاً من دون استثناء، وحتى لا يكون الانتماء انتماءً شكلياً، فإن المطلوب من الدولة توفير الظروف الموضوعية من خلال منع التمييز العنصري، وضمان الحقوق المتساوية للمواطنين جميعهم وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية.