أم سجاد... وبلاك ووتر...وأسوار السيادة العراقية المهدمة!
أليست مفارقة عجيبة أن نعيش ونشهد ما يحصل من إهانة لأمة بأسرها من خلال ما يحصل للعراق المستباح في كل ساعة تمر علينا، والعالم ساكت عن الجريمة إن لم يكن متواطئاً معها؟!
يقول مازن مكية وهو منشق من حزب الدعوة العراقي أخيرا «إن السياسيين العراقيين يفسحون مجالاً رحباً لتدخل الآخرين... عندما أخفقوا في ممارسة أداء إيجابي... مهملين المصلحة الوطنية العليا... وساهموا في هدم الأسوار التي تحصن السيادة العراقية...»! بعد أربع سنوات ونصف، ها هو شاهد من أهلها ينبه مما قد حذرنا منه مبكراً. لقد قلنا لكل من يهمه الأمر يومها إن فتح باب التدخل في الشؤون الداخلية لبلادكم وبطريقة إفساح المجال لعتاة الحروب والاجتياحات والغزو ونهب الثروات بذريعة اختلافكم مع الحاكم المستبد لن يبقي شيئاً مستوراً ولا أمراً محرماً وسيفتح الباب على مصراعيه لأنواع من العبث بحياة المواطنين! تقول أم سجاد، وهي زوجة المغدور كريم خلف مرافق نائب رئيس الجمهورية عادل عبدالمهدي الذي لم يخبرها أحد بأن الذي قتله ليلة عيد الميلاد إنما هو كاوبوي أميركي مخمور حتى الثمالة، إلا بعد انكشاف فضيحة بلاك ووتر «إن الحكومة العراقية لم تخبرها أشهر بأن زوجها ذهب ضحية عملية إجرامية لحراس بلاك ووتر وإنها -أي الحكومة العراقية- استنتجت الشهر الماضي فقط أن عملية القتل تلك كانت من فعل الشركة الأمنية السيئة الصيت إياها»، وتضيف «إن مال العالم كله لا يستطيع أن يعوضني عن زوجي... إن حارس بلاك ووتر يجب أن يعاد إلى العراق ويحاكم في بغداد... وإن المجرم في الحقيقة تم تهريبه إلى خارج العراق من قبل مسؤولين أميركيين...»! أما صحيفة لوس أنجلس تايمز الأميركية، وفي سياق متابعاتها لمجزرة ساحة النسور التي ارتكبتها الشركة الأمنية نفسها والتي ذهب ضحيتها 17 عراقياً وأكثر من 27 جريحاً، فإنها تقول «إن معظم العراقيين يسمون ما يجري من قتل في بلادهم على يد الشركات الأمنية الخاصة بأنه ليس سوى ممارسة لرعاة البقر لجرائمهم بذريعة حماية المسؤولين الكبار في العراق». في هذه الأثناء ثمة جدل سخيف ومهين يدور في أروقة الدوائر الدبلوماسية والسياسية العراقية والأميركية حول «سعر» أو ما يسمونه «دية» كل قتيل وقع في مجزرة ساحة النسور التي كشفت في الواقع حقيقة جيش بول بريمر السري وسماسرة القتل المجاني من أعضاء شركات الأمن الخاصة التي لا تخضع لمحاسبة أحد في الدنيا كلها، والذين يفوق تعدادهم تعداد الجيوش المحتلة رسمياً للعراق باعتراف وسائل الإعلام الأميركية، والذين يتفاخرون بتدعيم الأمن والاستقرار وتعزيزهما في العراق من خلال عدد الإصابات المحققة! التي كان أخيرها وليس آخرها القتيلتين البريئتين المدنيتين أوهانيس، وهي أم لثلاث بنات، ورفيقتها ألارمنيتين في محلة الكرادة في بغداد فقط لأن سيارتهما اقتربت أكثر مما هو مسموح به في أعراف الكاوبوي من شركة يونيتي ريسورسز «للتنمية الدولية» للأمن الخاص! تستحضرني هنا وعلى عجالة أحداث معبرة جداً جرت تفاصيلها على أرض مجاورة للعراق، وهي إقرار نظام الشاه البائد لقانون حماية المستشارين والأمنيين الأميركيين من الملاحقة القضائية الإيرانية في بداية الستينيات وإلحاقهم بمعاهدة فيينا الشهيرة الأمر الذي دفع بالزعيم الديني المعارض آنذاك الإمام روح الله الخميني إلى تفجير ثورة الاستقلال الوطني الشهيرة الأولى التي أدت إلى اعتقاله ونفيه خارج البلاد عندما طالب الشعب الإيراني من خلال خطبته المزلزلة بإعلان الحداد العام في البلاد قائلاً من جملة ما قال يومها ما مضمونه «إنهم يبيعون الوطن والبلاد وكرامة شعب بأكمله بثمن بخس... أي من أجل تأمين قرض مقداره مئتي مليون دولار... مقابل أن يصبح شاه البلاد مرشحاً للمحاكمة في أميركا إذا دهس كلباً أميركياً في الوقت الذي إذا ما دهس فيه كلباً شاه البلاد أو إذا ما أقدم حمال أو خادم أميركي على اغتيال مرجعكم الديني لا يحق فيه للمحاكم الإيرانية التدخل أو قول كلمتها...»! أليست مفارقة عجيبة أن نعيش ونشهد ما يحصل من إهانة لأمة بأسرها من خلال ما يحصل للعراق المستباح في كل ساعة تمر علينا، والعالم ساكت عن الجريمة إن لم يكن متواطئاً معها؟! ثم أليست مفارقة أخرى أن تمر كل هذه الأحداث والطبقة السياسية والدينية العراقية التي هدمت أسوار السيادة العراقية بأيديها وأيدي الأميركيين، كما يقول شاهد من أهلها وهو مازن مكية، مشغولة بتلطيف أو تغليف مشاريع تقسيم العراق إن لم تكن راضية ومتواطئة مع مشروع جوزيف بايدن لتقسيم العراق وغيره من مشاريع الفتنة وميليشيات الصحوة، كما يتهمها شهود آخرون؟! أم أن الجميع بات هائماً بالعملية السياسية التي سيتمخض عنها مشروع «اتحاد الدول العراقية» الذي سبق أن روج له ما يسمى بـ«صندوق السلام» الأميركي، ولا أحد عنده من الوقت ليبحث في مصير عشرات الألوف إن لم يكن الملايين من أمثال أم سجاد الذين يذهبون يومياً ضحية الصراع على المحاصصة الطائفية والعرقية والشخصانية بين رموز هدم السيادة العراقية؟! * الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني