تقترب القصة من نهايتها ويضيق الخناق على سيد إمام الشريف وهو في ملاذه الذي ظنه آمنا في اليمن، لم يشفع له ابتعاده عن تنظيم «الجهاد» ورفضه الانضمام إلى «القاعدة»... تاريخه مازال يطارده مصحوباً بحكم قضائي بالسجن، شجع السلطات المصرية على أن تدرجه ضمن قائمة 22 مطلوباً كانت تعتبرهم في ذلك الوقت (بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر) هم الأخطر.

Ad

ويروي إسماعيل نجل إمام في الحلقة الأخيرة من حواره مع «الجريدة» تفاصيل هذه اللحظات العصيبة، التي ظنت فيها أسرته أنها ستنتهي سريعاً، إلا أنها استمرت حتى هذه اللحظة التي مازال يقبع فيها الأب داخل إحدى زنازين السجون المصرية.

ويلفت الانتباه إلى أن الدكتور فضل حين علم بمصرع محمد عاطف المُكنَّى باسم «أبو حفص المصري»، الذي كان القائد العسكري لتنظيم «القاعدة»، كان تعليقه الأول - وهو الذي يعرف كل قادته كما لا يعرفهم غيره – أن «القاعدة» انتهى لأن الباقين ليسوا سوى مجموعة من «الأصفار» بلا قيمة.

وفيما يلي نص الجزء الأخير من الحوار:

• لماذا تم القبض على الدكتور سيد إمام في اليمن، برغم أنه كما ذكرت ابتعد عن العمل التنظيمي تماماً؟

- بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، توترت الأجواء العالمية والدولية، وبرغم أن الحكومة المصرية أصدرت وقتها في (11 أكتوبر 2001) نشرة دولية للإنتربول بـ (22) مطلوباً لديها من ضمنهم والدي، إلا أنه رفض إلحاحاتنا وإلحاحات الإخوة المتواصلة بالاختفاء ولو لفترة موقتة، خاصة أنه قبلها قد تم القبض على بعض الإخوة، ووالدي شخص معروف يعني يمكن الوصول إليه بسهولة، إلا أنه لم يهتم كثيراً بهذا الأمر، ربما لأنه رأى أنه قد اعتزل العمل الحركي من فترة طويلة وعبر عن ذلك بقوله (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا).

في يوم الأحد 28 أكتوبر 2001، حضر إلى مقر عمل والدي في مستشفى دار الشفاء ضابطان من جهاز الأمن السياسي (الاستخبارات)، وقد حضرا بلباس مدني وبشكل ودي طلبا من والدي الحضور إلى مقرهما في «إب» لسؤاله عدة أسئلة، وتخوف والدي وقتها واستطاع أن يجعلهما يسمحان له بأن يأتي عندهما بعد انتهاء الدوام، وأقنعه مدير المستشفى دار الشفاء بأن يسلم نفسه وأنه سيقوم بوساطات كبيرة وعلى أعلى المستويات لإطلاقه وأنها هوجة وستنتهي، وكان هذا ما أقنع والدي فعاد إلى المنزل ولملم أغراضه ورتب بعض الأمور ثم ذهب وسلم نفسه إلى مقر الأمن كي - على حد قولهم - يسألوه كام سؤال ويروّح، واستمر السؤالان لأسبوع كامل تم بعدها نقله إلى العاصمة صنعاء، على الرغم من أنه وقتها كان بإمكانه الهرب.

خلال هذه الفترة قام كثير من الناس من معارف والدي ومن محبيه بوساطات لأعلى المستويات، وتدخل في هذا الأمر أعضاء في البرلمان، ووصلت الوساطات إلى رئيس جهاز الأمن السياسي ورئيس مجلس النواب، وللرئيس علي عبدالله صالح نفسه، وكلهم وعدوا بأنها مجرد فترة بسيطة وسيخرج ولن تكون هناك أي مشاكل.

• هل لاعتقاله صلة بالحملة الدولية على الإرهاب التي تصاعدت بعد أحداث 11 سبتمبر؟

- لم يكن والدي يعلم أن «القاعدة» هو الذي قام بأحداث 11/9/2001 إلا بعدما اعتقل في السجن في اليمن في 28/10/2001، وقابل أعضاء «القاعدة» اليمنيين في السجن وأخبروه بالتفاصيل، وكيف أنهم هربوا من أفغانستان إلى باكستان بعد القصف الأميركي لأفغانستان في 7/10/2001، ثم هربوا من باكستان بالتهريب عبر البحر إلى سواحل عمان والإمارات التي سلمتهم لليمن، وكان والدي حزيناً ومتأثراً لاستشهاد أبوحفص المصري القائد العسكري لـ «القاعدة»، وقال والدي إنه بمقتل أبي حفص يكون «القاعدة» قد انتهى لأن الباقين هم مجموعة أصفار (جمع صفر)، وكان والدي يصف ما فعله «القاعدة» في 11/9/2001 بأنه (عملية انتحار جماعي لأعضاء القاعدة) وليس مجرد انتحار 19 شخصاً في الطائرات.

وفي أوائل عام 2002، عرض الأمن السياسي على والدي أن يخرج بشكل سري من اليمن إلى أي دولة يريدها، فقرر والدي استغلال الفرصة والذهاب إلى السودان، إلا أن مدير المستشفى لمصلحته الشخصية أقنعه بأنه سيخرج عما قريب وأنه وعد بإطلاق سراحه، وأيضاً أثنى الإخوة والدي عن التفكير بالسودان، وأنه لم يعد كما كان من قبل، فأجَّل والدي قراره حيث إنه لم يكن يرغب في مغادرة اليمن.

وفي عام 2003، سحب الأمن السياسي العرض السابق، ثم أخبروا والدي والإخوة أن أمامهم طريقين، فإما أن يقدموا طلبات لجوء عبر الأمم المتحدة، أو أن يبلغوا سفاراتهم وتستلمهم، فسعى والدي إلى الحصول على طلب اللجوء من مفوضية اللاجئين في صنعاء، وحتى موعد ترحيله لم يتم الرد عليه، وقد تم ترحيل أبي من اليمن إلى مصر في الشهر الذي وعدتهم مفوضية اللاجئين بالرد عليهم.

• كيف كانت المعاملة من جانب السلطات اليمنية أثناء فترة احتجازه؟

- كانت الزيارة مسموحة لوالدي يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، وكنا نسافر له كل فترة نظراً لبعد المسافة، وقد مُنع من القراءة والكتابة، وكان مكان الاعتقال سيئاً للغاية بدروم تحت الأرض والأكل رديء جداً، ولا تتوافر لهم تسهيلات إلا برضا السجانين، وقد كان والدي يعتبر طبيباً للمعتقلين وللسجانين أيضاً.

كان والدي يركز باستمرار على عدم انخراطنا في العمل ضمن حركات إسلامية، وأن يقتصر تواصلنا مع الإخوة على الجانب الشخصي والأسري بعيداً عن الجانب الحركي، وتجدر الإشارة أنه منذ عام 1993، لم يعد والدي ينتمي لأي جماعة، وإن ظل محسوباً على جماعة الجهاد أو «القاعدة» بفكره، ومن دون أي روابط حركية أو تنظيمية.

في يوليو 2003 تم القبض على الأخ عبدالعزيز الجمل في صنعاء، حيث كانت أوصافه وأوصاف سيارته معممة على كل النقاط، وبرغم تنبيه والدي له بتغيير السيارة، إلا أنها كانت السبب في القبض عليه، وما أسهم في تأخير القبض عليه وقتها هو أنه كان يشتغل في التجارة ويتنقل باستمرار في مختلف المدن، وقد استقر أخيراً في صنعاء ليتم القبض عليه فيها.

أراد والدي عام 2003، أن نسافر إلى مصر كلنا كي نكون تحت رعاية أهلنا وأخوالنا وأعمامنا، خاصة أن التعامل كان قد اختلف وقتها من جهة الأمن في مصر إلى الأفضل، وقد سبقتنا بعض العائلات كعائلة الأخ أبو خالد (عبدالعزيز الجمل) وتمت معاملتهم معاملة جيدة، وعليه فقد ذهبت إلى السفارة المصرية ولمست التعاون منهم، ورتبت على السفر إلى مصر ثم سافرت حينها وحدي لاعتبارات أسرية، ووصلت إلى مصر في سبتمبر عام 2003، أي قبل ترحيل والدي إلى مصر وفوجئ الأمن هناك بوصولي، حيث إنهم لم يتم تبليغهم من السفارة، لكنني - وهي شهادة لله - عوملت من قِبل الجهات الأمنية معاملة أفضل من الممتاز، وأطلق سراحي ولم أتعرض لأي معاملة سيئة أو مقيدة لحريتي، بل إنهم سمحوا لي بإمكان العودة إلى اليمن في أي وقت وهو ما تم فيما بعد خلال عام 2004.

• ولماذا طلبت مصر تسلمه في هذه الظروف؟

- في فبراير 2004، اختفى والدي والإخوة الذين كانوا معه من مقر الأمن السياسي في صنعاء، وأبلغ أهل الإخوة أنهم غير موجودين لديهم، وتم البحث عنهم لدى مختلف الجهات من الأمن السياسي إلى وزارة الداخلية، وبدأت الأخبار تتواتر من بعض المتعاونين أنهم بصدد الترحيل، وهو ما تم فعلاً يوم 20 فبراير 2004.

كنت حينها في مصر، واتصل الإخوة بإخوتي في اليمن وأخبروهم أنه قد تم ترحيل والدي فعلاً، وبعدها نشرت وكالات الأنباء وقنوات الأخبار خبر الترحيل، وقد تم ترحيل والدي مع ثلاثة من الإخوة وهم الأخ أبو إسلام (عثمان السمان) والأخ أبو أحمد (علي الشريف) والدكتور خليفة بديوي، وقد اعتقلوا في اليمن قبل اعتقال والدي بأيام، وأيضاً من الإخوة الذين اعتقلوا بعد اعتقال والدي ورحِّلوا بعده الأخ عصام شعيب والأخ أبو خالد (عبدالعزيز الجمل).

وعقب ترحيله إلى مصر اتصل بنا والدي وطمأننا عليه وعلى صحته وطلب منا السفر إلى مصر، وبعدها جلسنا فترة في اليمن لاعتبارات أسرية، ثم سافرت العائلة إلى مصر في نهاية عام 2006، وعوملوا معاملة ممتازة ولم يتعرضوا لأي ضغوط، والزيارة مسموح بها لوالدي باستمرار والاتصالات كذلك، وبحرية تامة ومن دون أي قيود، ليس هو فقط بل وكل الإخوة الذين معه، وتتم معاملتهم بشكل محترم وراق ويتم تقديم كل التسهيلات لهم، وهذه من الإيجابيات التي تحسب لوزير الداخلية المصري.

• في النهاية كيف تصف مكانة والدك في أوساط الإسلاميين ولماذا حاز هذا التقدير الواسع؟

- في النهاية يمكن أن ألخص بنقاط سريعة أهم العوامل التي جعلت من والدي مرجعاً مهماً لدى الحركات الإسلامية، خاصة الحركات الجهادية منها:

1 - إنه يعتمد في كتاباته على الأسلوب العلمي الصحيح الذي تعلمه منذ أن كان طالباً في الثانوية.

2 - يعتمد في كتاباته على كتب السلف.

3 - لا يذكر قولاً إلا بدليله من الكتاب والسنة.

4 - كما أن والدي من أبناء الحركة الجهادية في مصر منذ عام 1968، واتهم في قضية الجهاد الكبرى «قضية اغتيال الرئيس السادات في 1981» وخرج من مصر بعد الحادث بشهور.

5 - عاش والدي الجهاد الأفغاني ضد الشيوعية، وشارك فيه منذ بدايته إلى نهايته لمدة عشر سنوات من 1983 إلى 1993.

6 - أيضاً اختلاط والدي بجميع الحركات الإسلامية.

• في رأيك ما هو التأثير المتوقع لكتاب «ترشيد العمل الجهادي»؟

-- برغم بُعدي عن العمل السياسي، إلا أنني أحب أن أعلق بشكل موجز على ذلك بالنقاط التالية:

أولاً: إن الذي كتب كتابيْ ( العمدة في إعداد العدة 1989 والجامع في طلب العلم الشريف 1994) وغيرهما من الكتب والمقالات والإصدارات المختلفة لجماعة الجهاد، والذي كتب كتاب (وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم 2007)، هو شخص واحد وهو والدي الدكتور (سيد إمام بن عبدالعزيز الشريف)، وكان يكتب باسم عبدالقادر بن عبدالعزيز كما عُرف في الأوساط الجهادية باسم الدكتور فضل.

ثانياً: إن والدي لا يعتبر محسوباً على أي تنظيم أو جماعة إسلامية، وأن ما يقوم به كما أخبرنا هو ومن خلال اتصالاتي معه شخصياً، هو محاولة للصلح بين الدولة المصرية والجماعات الإسلامية، تكللت بحمد الله بالنجاح والإجماع، ولهذا هو لا يعتبر أميراً لأحد يجب عليه أن يطيعه، بل إن من يتفق معه يكون على أساس الاقتناع بالدليل الشرعي لا بسلطان الإمارة، ولهذا لا يمكن أن يحتج أحد بمقولة (لا ولاية لأسير).

ثالثاً: إن فكرة الترشيد ورفض العنف ليست جديدة على والدي، فوالدي هو الذي قطع صلته بجماعة الجهاد عام 1993، عندما أصروا على ضرورة المواجهة مع الدولة، كما أنه وخلال المجازر الدامية والبشعة التي ارتكبت في الجزائر في أواخر التسعينيات أبلغ والدي الإخوة أن يوصلوا رسالة منه إلى تلك الجماعات، عندما علم أنهم يستخدمون كتبه في التبرير للقتل والإجرام بحق الآمنين المسالمين، بأنه بريء من أعمالهم وأفعالهم، وأعتقد أنه ذكر ذلك في بيانه الذي صدر في مايو الماضي ونشرته كاملاً صحيفة «الحياة» يوم 6 مايو 2007، عندما أشار إلى أن كتبه استُخدِمت مرجعاً لأعمال العنف برغم أنها تخلو من التحريض على شيء من ذلك.

رابعاً: يتحدث البعض عن أن الوثيقة كتبت تحت ضغط، ولو أن هذا صحيح فهل كنا نحن أهله سنثق في الحكومة المصرية ونسافر إلى مصر؟ مع العلم أننا سافرنا بإرادتنا ولم نتعرض لأي ضغوط للمغادرة، وها أنا ابنه ومقيم حالياً خارج مصر بعيداً عن أي ضغوطات يمكن أن تمارس عليّ واثق للغاية وأرتاح جداً عندما أقول إن والدي لم يتعرض إلى أي معاملة سيئة في مصر، ولم تمارس أي ضغوط عليه، وأما ما كتبه فقد كتبه عن اقتناع، وهو نفس كلامه الذي قاله للإخوه في جماعة الجهاد عام 1992، وهو في الحرية ليمنعهم من العمليات القتالية داخل مصر، وكان حينها المستشار الشرعي لهم.

خامساً: إن الضغوط والمضايقات لا تولِّد فكراً يمكن البناء عليه وترسيخه في نفوس الناس، وأعتقد أن الوالد مستعد لمناقشة من يستطيع الرد عليه بالدليل الشرعي القطعي الواضح الذي لا خلاف فيه، وقد أوضح والدي هذا الأمر في بيانه السابق الإشارة إليه في مايو 2007، كما أن والدي لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يراعي فيما يكتبه إلا الحق ولو أغضب الناس، ولا يراعي أي اعتبارات أخرى، فليست له وظيفة في مؤسسة دينية، ولا هو شيخ لدى الحكومة وليست له جماعة يخاف عليها أو يحابيها.

سادساً: في كلمته الأخيرة أشار الشيخ أسامة بن لادن إلى أن هناك أخطاء ارتكبت وتُرتكب من المجاهدين، فلماذا لم يتم انتقاد كلامه؟ وتم رفض كلام والدي، مع أن الشيخ قال بنفسه إنه لا يجب التعامل مع الأوامر كأنها نصوص معصومة بل يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله‘ صلى الله عليه وسلم، فما وافق الحق يأخذ وما خالفه يترك، فها هو الشيخ أسامة يعترف بالأخطاء وها هو والدي يصحح الأخطاء.

سابعاً: بعض الناس هاجموا والدي لما ظهر في وسائل الإعلام أنه كتب (وثيقة ترشيد الجهاد) وأبي شيخ كل هؤلاء، ووالدي له كتب شرعية ضخمة كلهم تتلمذوا عليها في مختلف دول العالم وفي جماعتيْ الجهاد والقاعدة، ولم يكتب أحد منهم مثل ما كتب والدي، وبعضهم هاجم والدي حتى قبل أن يطَّلع على الوثيقة فهل هذا من العقل أن يحكم أحد على شيء قبل أن يراه، وإن الذين خالفوا والدي وعملوا عمليات في مصر لم يحققوا أي مصلحة، وأدخلوا آلاف الشباب إلى السجون وتركوهم بدون أي مساعدة لمدة سنين طويلة، في حين أن والدي منذ أن كتب (الوثيقة) ووافق عليها معظم الإخوة خرج الآلاف من السجون.

ثامناً: إن كل ما أثير في الفترة السابقة عن تعثر عملية المراجعات هو محض خيالات وتخمينات لبعض المغرضين من كتَّاب وصحف، فالكل يستعجل خروج المراجعات، برغم أن مبادرة الجماعة الإسلامية استغرقت خمس سنوات، وأن خروج وثيقة ترشيد الجهاد والإجماع عليها في فترة لا تتعدى الثمانية أشهر، منذ أن قاد والدي عملية السلام بين الجماعات والدولة، هو إنجاز هائل وناجح بكل المقاييس، ويوضح ثقل والدي الذي أدى إلى اقتناع الجماعات المختلفة بما طرحه مع غيره من الإخوة من سلام مع الحكومة.

تاسعاً: إن الردود التي تعتمد السب والشتم طريقاً للرد على الخصوم، خاصة في منتديات الإنترنت، هي أفعال سفهاء لا تستحق الرد عليها، ونحن نحترم الردود والانتقادات التي تبنى على الأدلة الشرعية الواضحة وتصاغ بشكل محترم، بعيداً عن الأهواء والعصبيات أو الانتقاص من شخوص الناس.