Ad

إن كل أهل العراق يعرفون مدى حجم التدخل الإيراني السافر في شؤونهم الداخلية، وانه حتى كبار المسؤولين العراقيين من أبناء الطائفة الشيعية لم يعد بمقدورهم تحمل هذا التدخل، الذي وصل إلى كل المؤسسات والأجهزة الحساسة في الدولة العراقية، ولا السكوت عليه وهؤلاء لم يعتبر أي منهم أن هذا الذي تقوم به إيران على أنه « تأثير إيجابي» كما قال محسن الحكيم الذي يبدو أنه قال ما قاله تحت ضغط الخشية من أن تضع إيران كل بيضها في السلة «الصدرية».

غير مستغرب أن يبادر محسن الحكيم نجل رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبدالعزيز الحكيم، بمجرد توقف الاقتتال الشيعي-الشيعي، إلى القول ان دور إيران في هذا الاقتتال كان إيجابياً، فهذا الاقتتال بين قابيل وهابيل دافعه السعي إلى تحسين المواقع في الحضن الإيراني الدافئ، إذ حاولت كل ميليشيا من الميليشيات المذهبية إثبات وجودها في ساحة الميدان وتأكيد أنها هي الأكفأ والأقدر من غيرها لأن تكون رأس الجسر الفاعل بالنسبة إلى تدخل طهران السافر في شؤون العراق الداخلية.

وبالطبع فإن هذا الاقتتال، الذي أوقفته إيران بأوامر صارمة تلقى رئيس الوزراء نوري المالكي نصيبه الوافر منها، مما جعله يوقف «صولة الفرسان» بعد ساعات فقط من إعلان أنها ستشمل كل الساحات والمدن، له أسباب أخرى جميعها تلتقي عند هذا السبب من بينها التفرُّد بالبصرة وبجنوب العراق كله، والاستحواذ على أنابيب النفط المثقبة، وعلى موانئ التهريب غير الشرعية وعلى احتكار «الخُوّات» والاتجار بالسلاح والمحرمات، وفرض إرادة التنظيم

«الميليشاوي» المعني على عصابات التهريب والتفجير والاغتيالات، وتبيض الأموال.

لقد قال محسن الحكيم في مرافعته هذه دفاعاً عن إيران في حديث مع وكالة «مهر» للأنباء الإيرانية أجرته معه في طهران: «إن إيران خلال استخدام تأثيرها الايجابي على (الأمة)!! العراقية مهدت الطريق لعودة السلام إلى العراق... وان الموقف الجديد (والمقصود هنا هو وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه) هو نتيجة جهود الإيرانيين»... وبالطبع فإن من يقول هذا الذي قاله الحكيم لا يمكن إلا أن يعتبر ان هذه الجهود خيرة، وذلك رغم أنه سَهَا عن أن يقول هذا بوضوح وصراحة.

المعروف أن مقتدى الصدر كان عشية هذه المواجهة الأخيرة التي انتقلت من البصرة إلى بغداد وكل أماكن ومناطق ومدن الوجود المكثف للطائفة الشيعية قد لجأ إلى إيران وأعلن من هناك من مدينة «قُم» المقدسة أنه جاء إلى حوزتها ليكمل تعليمه الفقهي... ولكن ثبت أن هذا اللجوء كان انتقالاً بغرفة عمليات جيشه جيش المهدي من العراق إلى أحد مقار فيلق القدس التابع لقوات حراس الثورة الإيرانية، وان ضباط هذا الفيلق هم الذين أشرفوا على المعارك الأخيرة التي حقق فيها «الصدريون» بالدعم الإيراني، بأشكال الدعم كلها، الانتصار على جيش القائد العام رئيس الوزراء نوري المالكي وعلى قوات بدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية... وعلى «الدعوة» و«الفضيلة»... والرذيلة!!

كان الهدف أساساً هو ضرب الفصائل والميليشيات الشيعية بعضها مع بعض لمنع هذه الطائفة الكريمة وعشائرها وقواها، حتى القوى المسلحة التي تدربت في معسكرات فيلق القدس وحراس الثورة الإيرانية، من أن تكون لها صحوتها على غرار صحوة الأنبار والعشائر السنية، ومن أن توظف انتماءها القومي العربي في مواجهة التدخل الإيراني السافر في شؤون العراق، في الجنوب والوسط على وجه التحديد، وكان الهدف هو إبقاء الشيعة العراقيين تحت وصاية الولي الفقيه ليسهل استخدامهم في معركة تحقيق الإيرانيين لتطلعاتهم الإقليمية في هذه المنطقة.

إن كل أهل العراق يعرفون مدى حجم التدخل الإيراني السافر في شؤونهم الداخلية، وانه حتى كبار المسؤولين العراقيين من أبناء الطائفة الشيعية لم يعد بمقدورهم تحمل هذا التدخل، الذي وصل إلى كل المؤسسات والأجهزة الحساسة في الدولة العراقية، ولا السكوت عليه وهؤلاء لم يعتبر أي منهم أن هذا الذي تقوم به إيران على أنه « تأثير إيجابي» كما قال محسن الحكيم الذي يبدو أنه قال ما قاله تحت ضغط الخشية من أن تضع إيران كل بيضها في السلة «الصدرية».

إن إيران لجأت إلى لعبة التسخين والتبريد والكسر والجبر والتوتير والتهدئة لتؤكد للأميركيين والعرب، وأولهم العرب الذين التقوا في القمة الدمشقية الأخيرة ولم يخرجوا بأي شيء، ان قرار العراق هو قرارها، وانه هو الرقم الصعب في هذه المعادلة وأنه لا أحد غيرها يملك مفتاح الحرب والسلام في هذا البلد العربي المُبتلى وانها لجأت إلى ضرب الشيعة بعضهم مع بعض، لأنها أحست ببعض التحولات الاستقلالية لديهم، ولأنه لابد من إعادتهم إلى بيت الطاعة قبل أن تصل الصحوة العروبية إليهم.

* كاتب وسياسي أردني