لماذا لا يعتذر ساركوزي؟

نشر في 20-12-2007
آخر تحديث 20-12-2007 | 00:00
 صالح القلاب

على ساركوزي أن يعتذر، وعليه أن يعرف أنه إن لم يعتذر فإنه سيأتي اليوم الذي سيُفرض فيه الاعتذار على فرنسا تحت ضغط مصالحها ومصالح الشعب الفرنسي، وسيأتي اليوم الذي سيدفع فيه الفرنسيون ثمن احتلال آبائهم وأجدادهم للجزائر واضطهاد أهلها ونهب خيراتها مئة واثنين وثلاثين عاماً.

غير مفهوم وغير مقبول أن يرفض نيكولاي ساركوزي الاعتذار للشعب الجزائري عمَّا قامت به بلاده في الجزائر خلال سنوات احتلال طويل، فمن يطالب الأتراك بالاعتذار للأرمن بالنسبة لمذبحة تعرض لها هؤلاء في بدايات القرن الماضي عليه أن ينسجم مع نفسه وألاَّ يكيل بمكيالين، وعليه أن يكون أكثر جرأة وأن يبادر عندما كان في زيارة إلى مستعمرة فرنسا السابقة أن يذهب إلى نصب الشهداء الأبرار، وأن يضرب رأسه بجداره، وأن يتقدّم باسمه واسم الفرنسيين كلهم للشعب الذي أنجب هؤلاء الأبطال بالندم والاعتذار.

كان الاستعمار الفرنسي للجزائر، الذي استمر مئة واثنين وثلاثين عاماً، أبشع أنواع الاستعمار الذي عرفته البشرية ومنذ بدء الخليقة... لقد كان استعماراً استيطانياً، حيث جيء بشعب غريب ليحل محل أهل الأرض، ولقد صودرت حياة الجزائريين وصودرت أملاكهم ومنازلهم وثقافتهم ولغتهم وهويتهم الوطنية وفنونهم وألوانهم ولباسهم الوطني، وفرحتهم وابتسامات أطفالهم، وقد حُرِّمت عليهم بعض مناطق وطنهم التي خصصت لسكن المستعمرين وللهوهم وزراعتهم وفحشهم وفجورهم.

كل الأراضي الخصبة اغتصبت من أهلها وأُعطيت للمستعمرين الذين جيء بهم من خلف البحر الأبيض المتوسط وكل المناطق الجميلة كضاحية «حيْدرة» حُرّمت على الجزائريين وأُعطيت إلى ضباط الجيش المحتل وإلى موظفي الدولة المستعمرة، وكان محرمٌ على الجزائري أن يدخل هذه المنطقة. لقد نهب الفرنسيون كل شيء في هذه الدولة، وتعاملوا مع شعبها بعنصرية أكثر من عنصرية البيض في جنوبي أفريقيا، وكانوا يتقصدون إذلال شعب عزيز وكريم وإهانته بطرق منهجية لانتزاع الاعتزاز من نفوس أبنائه ولإلزامه بقبول الاحتلال كقدر لا مفر منه.

مليون شهيد سقطوا خلال ثورة استعادة الاستقلال والسيادة الوطنية، وعشرات بل مئات المذابح البشعة والإبادات الجماعية ارتكبها «سالان» وعصابات الجيش السري ضد الشعب الجزائري، وقد سلَّم الفرنسيون للثوار المنتصرين بعد ظلام قرنٍ كامل واثنين وثلاثين عاماً بلداً مدمّراً، عمرانا ً وحضارة وثقافة وكفاءات إدارية ومهنية وكل شيء.

لقد بدأ الجزائريون في عام 1962 من الصفر وقاسى الشعب الجزائري العظيم بالفعل الأمرين حتى تمكّن من أن يضع بلده على طريق البناء واللحاق بركب الدول المتقدمة.

لماذا لم يعتذر ساركوزي وهو رئيس الدولة التي احتلت الجزائر قرناً كاملاً واثنين وثلاثين عاماً فوقه ولم تتركها إلا بعدما قدم الشعب الجزائري على مذبح حريته واستقلاله واستعادة سيادته الوطنية مليون شهيد؟! والأدهى أن الفرنسيين، يرفض رئيسهم الاعتذار، وهو الذي لم يتردد بعد أن وصل إلى قصر «الإليزيه» وهو ابن المهاجر المجري في أن يطالب أتراك هذا الزمن بالاعتذار عما يقال إن أجدادهم قد ارتكبوه بحق الأرمن قبل مئة عام، وبقوا صامتين إزاء رفض هذا الرئيس الاعتذار للشعب الذي لم يتركوا له إلا الذكريات المؤلمة والمحزنة!!.

إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان أحد رموز وقادة الثورة الجزائرية التي كانت أعظم ثورات القرن العشرين قد أظهر طيبة وتسامحاً مستمدين من طيبة وتسامح الشعب الجزائري الطيب عندما لم يحشر ضيفه في الزاوية الحرجة، وعندما لم يلزمه بالاعتذار لشعب ذاق الأمرين خــلال احتلال واستعمار الدولة التي يرأسها هذا الضيف الذي انتدب نفسه منذ مجيئة إلى قصر «الإليزيه» في باريس كمدافع عن الإنسانية وكمقاتل ضد الاستبداد والطغيان وضد التعدي على حريات الشعوب المظلومة والمضطهدة!!

يجب أن يعتذر ساركوزي، وعليه أن يعرف أنه إن لم يعتذر فإنه سيأتي اليوم الذي سيُفرض فيه الاعتذار على فرنسا تحت ضغط مصالحها ومصالح الشعب الفرنسي، إنه سيأتي اليوم الذي سيدفع فيه الفرنسيون ثمن احتلال آبائهم وأجدادهم للجزائر واضطهاد أهلها ونهب خيراتها لمئة واثنين وثلاثين عاماً، يجب أن يعتذر ساركوزي، ويجب أن تدفع بلاده ثمن احتلالها تعويضاً لبلد نهبت خيراته.

* كاتب وسياسي أردني

back to top