تعكس انتخابات مجلس الأمة حالة الاستقطاب السياسي والقبلي والمذهبي التي تعيشها الكويت، خاصة خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، حيث شهدنا سبعة انتخابات بدءاً من 81 ومروراً بـ 85، 92، 96، 99، 2003، حتى آخر انتخابات في 2006.
المجلس يحصل عليها كل 4 سنوات... والحكومة تنافسه عليها! ففي هذه الحقبة من الزمن برزت بشكل واضح التشكيلات والمجموعات السياسية المؤدلجة، وكذلك انتعاش النفس الطائفي والقبلي بسبب ضعف الأداء السياسي والإداري والتنموي للدولة، الذي صار في درجات متأخرة تدعمه مؤشرات محلية ودولية، كتصنيفات منظمة الشفافية الدولية ودوائر مكافحة الفساد الدولية، أو تلك المنظمات الاقتصادية التي تراقب مؤشرات النمو الاجتماعي والاقتصادي في بلدان العالم.في الكويت، يعتبر مجلس الأمة المحرك الرئيسي لما يسمى بالتعاطي الشعبي للسياسة والعمل السياسي بشكل عام، وتأتى في الدرجة الثانية انتخابات المجالس البلدية، وإن كانت بأقل حماسة. ولاتكاد نسب المشاركة في الانتخابات البرلمانية تتزحزح عن نسبة الـ 80 في المئة أو أعلى لتصل إلى التسعينيات في بعض الدوائر الانتخابية. وفى الأعراف الانتخابية، تعتبر نسبا كهذه مرتفعة جدا، ويجيرها البعض إلى طبيعة الجو السياسي الذي يعيشه البلد من الانفتاح والحريات وممارسة الديموقراطية بشكل أقرب لان يكون حرا، ولئن كانت هذه المقولة تحتمل شيئا من الصحة، إلا أن مؤشرات أخرى تقف في خانة التقييم العلمي لتكشف بعض الملاحظات وربما السلبيات التي تعد منغصات للعمل السياسي في الكويت، الذي لم تجر عليه أي تغييرات جوهرية على مدى أربعة عقود.أسباب المشاركة المكثفة للمقترعين وكان للاستقطاب السياسي الذي تقوده الكتل السياسية التي برزت بشكل واضح وبطابع صراعي منذ العام 1980خاصة بين المجموعات الإسلامية والليبرالية الأثر الأكبر في تجنيد القواعد الشعبية لتلك المجموعات للمشاركة في الاقتراع بغرض إيصال اكبر عدد ممكن من ممثلي تياراتهم السياسية. وتكشف النسب والأرقام مدى حدة هذا الصراع في مناطق محددة خاصة فيما يسمى بالمناطق الداخلية التي تقطنها أغلبية حضرية تضم جماعات الإخوان المسلمين والسلف والتيار الليبرالي.ويأتي ثانيا، الاستقطاب القبلي الذي يغذي المشاركة المكثفة في الانتخابات فيما يسمى بالمناطق الخارجية، وتكشف نتائج الانتخابات مدى التمثيل القبلي الذي يقترب من نصف أعداد أعضاء مجلس الأمة تقريبا.ويعود ذلك أساسا إلى طبيعة التركز السكاني في العديد من الدوائر الانتخابية التي أصبحت مع الوقت حكرا على قبائل معينة، هذا إذا نظرنا إلى الموضوع من زاويته القبلية بشكل عام، أما إذا أردنا معرفة مدى الاستقطاب القبلي داخل تلك الدوائر فيمكن كشفه من خلال التعاطي الانتخابي بين أقطاب القبائل وممثليها، وما يرافق ذلك من نشاط محموم لحسم العديد من الخلافات عبر مايسمى بالانتخابات الفرعية التي جرمت بالقانون لاحقا. وتكشف الإحصاءات الخاصة برفع حالات رفع الحصانة عن بعض أعضاء المجالس السابقة كم القضايا المرفوعة بتهمة المشاركة في الانتخابات الفرعية، التي بلغت منذ أول انتخابات عام 1963 وحتى العام 2006 عدد 21 طلب رفع حصانة، وهذا بالطبع ما تم اكتشافه وإحالته الى القضاء، غير أن الانتخابات الفرعية كانت تجري بشكل مصاحب للانتخابات العامة في المناطق القبلية قبل إقرار قانون التجريم وبشكل شبه اعتيادي، فيما تعد عملية تمهيدية للدخول في الانتخابات العامة في مواجهة مرشحي القبائل الأخرى .على الجانب الآخر، يضفي التصنيف الطائفي دورا مهما على تكثيف المشاركة في الانتخابات وإن كان بصورة أخف من العاملين السابقين اللذين أشرنا إليهما، ويكون هذا الدور عادة في المناطق التي تقطنها أغلبية من المواطنين الشيعة كالدائرة الأولى والرابعة والثالثة عشر، وتعود أسباب الحماس في المشاركة الانتخابية لسببين، الأول الاستقطاب الطائفي الذي تعيشه تلك الدوائر في حال وجود منافسين من غير المذهب الجعفري، والثاني إن كانت هناك جماعات متنافسة من أبناء المذهب الواحد كتبعية المرشح إلى المذهب الإثني عشري أو الطوائف الأخرى التي تتبع مقلدين بعينهم. وغالبا تأتي نتائج الانتخابات بـ 4 أو 5 من المرشحين الشيعة، فيما تحاول الحكومة تطعيم تشكيلها الوزاري بعنصر أو اثنين على الأقل لأجل ضمان مشاركتهم في السلطة التنفيذية. المرأة واستثناء انتخابات 2006 طرأ تغيير سياسي واجتماعي كبير على مجريات العملية الانتخابية بعد إقرار الحق السياسي للمرأة في 16مايو 2005، وأدى دخول 194910 نساء إلى المجتمع الانتخابي بالإضافة إلى أعداد الناخبين الذكور، إلى وصول عدد من لهم حق الاقتراع إلى 340248 ناخبا وناخبة. إلا أن نسب الاقتراع التي تجمدت عند الـ 80 % وما فوق طوال الانتخابات التي جرت على مدى عقدين ونصف تراجعت في انتخابات عا م 2006 إلى نسبة الـ 70 % وادنى بسبب دخول هذا الكم الكبير من الناخبات، وعزوف نسبة لا يستهان بها عن عملية الاقتراع، مما أدى إلى تراجع النسب إلى أرقام لم تصل حتى إلى 80 % كما كان معهودا، وذلك في أي من الدوائر الانتخابية الخمس والعشرين.ويقف وراء هذا التراجع سببان رئيسان هما: مفاجأة حل مجلس الأمة في العام 2006، ومواجهة المرأة لظرف استثنائي تطلب منها دخول المعترك الانتخابي من دون جاهزية، فيما كشفت الانتخابات الأخيرة عن وجود بقايا ترسبات اجتماعية ودينية حالت دون تشجيع النساء للمشاركة في الانتخابات، أو تلمس أهميتها لدى بعض الشرائح الاجتماعية. حمى المشاركة لكن يبقى أن نقول إن حمى المشاركة في الانتخابات في الكويت تعتبر المتنفس شبه الوحيد للممارسات السياسية المعهودة في الديموقراطيات العريقة، كالممارسة الحزبية والنقابية والعمالية. ولا تقتصر هذه الحمى على المواطنين العاديين، بل إن السلطة ذاتها تحاول وبشكل رئيس الدخول في المعترك الانتخابي من خلال دعم مرشحين معينين ممن تراهن عليهم أو ممن تجندهم لعملية تشتيت الأصوات، فيما يعتبر مجلس الأمة وأداؤه وتفاعله مع الحكومة البؤرة الرئيسة للاهتمام والانشغال بالسياسة بالنسبة للمواطن العادي. ويرجع ذلك كما سبق أن أشرنا إلى فقر البيئة السياسية في الكويت ودلالة ذلك أنه في حال غياب مجلس الأمة بالحل غير الدستوري أو في العطل البرلمانية يقل الصخب والحديث في السياسة لدى المواطن العادي الذي لايجد غير صوته في الانتخابات منفذا لممارسة العمل السياسي... كل أربع سنوات في أحسن الأحول!! جدول يوضح نسب الاقتراع في آخر سبعة انتخابات برلمانية الدائرة نسبة المقترعين 1981 نسبة المقترعين 1985 نسبة المقترعين 1992 نسبة المقترعين 1996 نسبة المقترعين 1999 نسبة المقترعين 2003 نسبة المقترعين 2006 الأولى 92.1 86.5 85 85.3 85 88 77 الثانية 91.3 88.2 83 83.4 77 81 79 الثالثة 89.7 84.5 80 83.8 82 83 72 الرابعة 92.7 88.6 85 84.8 84 85 77 الخامسة 87.6 84.4 85 84.8 80 85 76 السادسة 89.5 85.1 84 84.7 81 82 72 السابعة 91.2 78.9 83 83 83 85 76 الثامنة 89.2 89.2 87 85.4 82 82 66 التاسعة 88.4 87.2 86 85.1 82 84 74 العاشرة 88.1 86.1 86 83.3 79 81 76 الحادية عشرة 90.4 83.5 86 84.3 82 84 79 الثانية عشرة 92.7 88.5 لم يدون 87.5 81 81 64 الثالثة عشرة 90.4 86.7 82 85.6 84 86 73 الرابعة عشرة 87.6 82.6 82 88.8 87 76 77 الخامسة عشرة 89.5 87.1 80 80.5 77 80 76 السادسة عشرة 86.2 79.9 86 84.1 82 79 69 السابعة عشرة 89.1 83 لم يدون 80.3 81 81 63 الثامنة عشرة 92.1 لم يدون 85 85 82 83 74 التاسعة عشرة 87.1 85.8 82 84.8 84 81 63 العشرون 88.2 88.5 لم يدون 83.4 83 82 69 الحادية والعشرون 91.1 85.1 84 77.1 75 72 55 الثانية والعشرون 88.9 84.7 81 79 80 80 63 الثالثة والعشرون 88.4 80.8 82 77.6 76 74 59 الرابعة والعشرون 92.3 85.6 85 85.2 80 80 69 الخامسة والعشرون 90 73 61 84.9 86 79 44 المجموع 89.7 81.3 72 82.5 81 81 64
قضايا
كثافة نسب الاقتراع في انتخابات «الأمة»... وفقر قنوات العمل السياسي للمواطن
21-06-2007