المستقبل سؤال مستحق وجواب مشروع
يعود قبول الشباب العربي بجنسية أجنبية وتخليه عن جنسيته إلى فقده الانتماء الإسلامي والقومي، وعدم وجود القدوة بين حكامه وقادته، وتهميش مشاركته الانتخابية نتيجة لحرص الأنظمة العربية على وجودها والانفراد بالحكم، إضافة لما يعانيه الشباب من مشاكل مختلفة وضغوط متنوعة تختلف من بلد لآخر. لا أدري هل يسمح بنشر المقال أم لا؟ هل يتقبل بعضهم فكرة مشاركتهم الحديث حول ندوة «الجريدة» أم لا؟ فقد يعتقد بعضهم أن هذه الدورة شأن كويتي خالص لا يجوز لغيره مناقشته، ولكن باعتباري مقيما منذ أكثر من 8 سنوات فللكويت في عنقي دين هو جواز مروري للحديث، وكوني عربيا أؤمن بالقومية العربية، فمن حقي التعبير عما يدور في فكري حول مستقبل الكويت فضلا –وهذا المهم- عن أن مستقبل الكويت مرتبط بمستقبل الوطن العربي كله، وما يحيط بمستقبلها من أسئلة تدور أيضاً أو يجب أن تدور بالنسبة للجميع ولو بدرجات متفاوتة... لكل هذا أتمنى أن يكون مسموحا بالمشاركة فيها. عندما قرأت عن ندوة «الجريدة» فإن أول ما تبادر إلى ذهني هو قول أمير الشعراء: بالعلم والمال يبني الناس ملكهم لم يبن مُلك على جهل وإقلال ورأيت أن هذا يعبر باختصار شديد عن فلسفة الندوة وعن المستقبل الذي نتمناه في جميع المجالات، فالمستقبل الذي نسعى إليه هو القوة والعزة والسيادة، وهو ذاته ما عبر عنه الشاعر «بالملك»، وكما نرى فالمستقبل هنا له رافدان أساسيان هما العلم أو التكنولوجيا الحديثة واستخداماتها المختلفة، والمال أو القدرة المادية على الاستفادة وتسخير هذا العلم لخدمة المستقبل، وإذا كانا (المال والعلم) يمثلان ضلعا المثلث نحو المستقبل فإن قاعدته الأساسية، وهي ما يعنيني في هذا المقال، هي المواطن القادر على استخدامهما والاستفادة منهما، فمن دون المواطن لا يمكن أبدا بناء أي مستقبل أو الحديث عنه، وليسمح لي القارئ أن يكون الحديث حول المواطن العربي بوجه عام، وباعتبار الحديث حول المستقبل فما نعنيه هنا هو الشاب العربي: إن المشكلة الحقيقية التي تجب مواجهتها هي فكر الشباب وكيف يفكر؟ ولماذا؟ ولو بدأنا بسؤال افتراضي وجهناه إلى 100 شاب عربي (5 من كل دولة) هل تحب أن تحصل على الجنسية الأميركية أو الأوروبية في مقابل التنازل عن جنسية بلدك العربية؟ ماذا سيكون رده؟ أزعم أن أكثر من %90 سيوافقون... وهذا يلخص القضية بأكملها ويعبر عن المشكلة الحقيقية التي تعيق بناء المستقبل المشرق الذي نتمناه، وهي مشكلة الانتماء. وباختصار ومن دون استخدام ألفاظ كبيرة وتعبيرات معقدة فلو نجحنا في تخفيض هذه النسبة إلى %50 ولن أقول أكثر سنكون على الطريق الصحيح في بناء المستقبل. والآن نسأل أنفسنا: لماذا يوافق الشباب العربي على ذلك؟ وفي رأيي يعود ذلك لعدة أسباب: أولا: فقد الانتماء الإسلامي والقومي، فقبل فقد الانتماء الوطني فقد المواطن العربي انتماءه الإسلامي والقومي، وللأسف تم ذلك بفعل فاعل وهو الأنظمة العربية الحاكمة، ولأسباب متنوعة حرصت الأنظمة العربية أن تُفقد مواطنيها انتماءهم الإسلامي في بعض الدول، والقومي في بعضها الآخر، وهي التي كفرت بالقومية العربية وكان من الواجب عليها أن تدرك أن ذلك سيؤدي في النهاية إلى أن يفقد شبابها انتماءهم الوطني كذلك. ثانيا: عدم وجود القدوة، فللأسف لا يجد الشباب العربي بين حكامه وقادته من يعتبره قدوة له، فهم يسعون في المقام الأول إلى الاستمرار في الحكم وعدم التنازل عنه من دون النظر لمصلحة شعوبهم، فكان من الطبيعي أن يبحث الشباب عن مصالحهم الشخصية ولو خارج حدود الوطن. ثالثا: عدم المشاركة... نتيجة لحرص الأنظمة العربية على وجودها والانفراد بالحكم قامت بتهميش، أو منعت في بعض الدول الشباب العربي من المشاركة الفعلية في بناء مستقبل بلادهم والتخطيط له، مما أدى إلى فقد الانتماء لدى الشباب. رابعا: ما يعانيه الشباب من مشاكل مختلفة وضغوط متنوعة تختلف من بلد لآخر تبعا لمقومات هذا البلد، وبالتأكيد لا أقصد الإمكانات المادية فقط بل الإمكانات الفكرية والثقافية للشعوب، والتي تسمح لها باحتواء شبابها. كل هذه العوامل وراء فقدان شبابنا العربي انتماءه وبالتالي فقده اهتمامه ببناء مستقبله، ومن ثم ضياع مستقبل هذا البلد وخسارة الوطن ككل، ويظل السؤال المشروع والمستحق: هل يمكن الحديث عن المستقبل من دون الحديث عن انتماء الفرد لمجتمعه والمواطن لدولته؟ ...لا أعتقد.