Ad

استكمالاً للرد على اعتراض المهندس القطري راشد السبيعي على مقال «نعم للكنائس في قطر» أقول: أخي المهندس: ألا ترى تناقضاً منطقياً بين قولك «الإسلام دين التسامح» والفتوى التي تقول «لا يجوز لهم بناء دار للعبادة ويعبدون إلههم في بيوتهم»؟ هل تحتاج العبادة في البيت إلى تصريح حتى نسميه «تسامحاً»؟!

ومتابعة للرد على اعتراض المهندس السبيعي نكمل باقي الردود في هذا الجزء من المقال:

10 - يتضح ويتأكد مما سبق القول إنه «لا يجوز إنشاء هذه المعابد -ابتداء-» أي في دول الخليج ليس له أي أساس شرعي، إنما هو ترديد لأقوال فقهية اجتهادية قديمة بناها الفقهاء على اعتبارات مصلحية وأمنية سادت مجتمعاتهم وقد زالت تلك الاعتبارات في عالم اليوم.

11 - هناك روايات منسوبة إلى عمر -رضي الله عنه- أنه قال: امنع أهل الذمة من إحداث شيء من الكنائس في البلاد المفتوحة من خراسان وغيرها، وثمّة قول منسوب للصحابي عبدالله بن عباس: وأيّما مصر مصّرتْه العرب فليس لأحد من أهل الذمة أن يبنوا فيه بيعة، وهناك ما تناقلته كتب التاريخ والفقه والحديث، عما يسمى بـ«عهد عمر» أو «الشروط العمرية» متعلقة بأزياء أهل الذمة وسلوكياتهم ومركباتهم وعدم إحداث كنائس في مدنهم ولا تجديد لما خرب منها... إلخ. وقد انتهى الكاتب فهمي هويدي في كتابه القيم «مواطنون لا ذميون» إلى أن كل تلك الروايات والأقوال والشروط «موضوع» و«مختلف» فضلاً عن مخالفتها لسيرة عمر مع أهل الذمة ومناقضتها لعهود واتفاقيات قادة المسلمين مع أهل الذمة إضافة إلى أن نصوص الشريعة وروحها ترفضان نسبة «العهد العمري» وبقية الأقوال المنسوبة إلى عمر إلى الإسلام والمسلمين، وأمّا اعتماد العلامة «ابن القيّم» على «العهد العمري» في كتابه الضخم «أحكام أهل الذمة» بجحة: أن شُهرة «العهد» تغني عن إسناده فغير دقيق وغير صحيح، إذ، متى كانت الشُهرة دليل الصحة؟ كما قال محقق الكتاب الدكتور صبحي الصالح. كما يجب تأكيد أنه ليس في نصوص الدين قيد من أي نوع على حق غير المسلمين في ممارسة شعائرهم، بل العكس هو الصحيح، فاعتراف القرآن بأصحاب الديانات والأمر بالبرّ والقسط بمنزلة دعوة ضمنية لاحترام حقهم في إقامة معابدهم.

وحرية الاعتقاد من المسلمات والبديهيات المحسومة ليس لأصحاب الديانات السماوية فحسب، بل للمجوس والصابئة والزرادشتيين والهندوس والبوذيين قبل ألف عام. ومن مقتضيات حرية العقيدة، حرية العبادة وإقامة المعبد.

12 - ولا حجة في القول «إن الكنائس دور الكفر والشرك» كذريعة لعدم المعاملة بالمثل ومنع حقهم في بناء الكنائس، لأن الإسلام ومنذ البداية أقر شرعية ووجود الآخر «لكم دينكم ولي دين» والرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته كفلوا حقهم في ممارسة شعائرهم والتزموا بحمايتهم وحماية كنائسهم مع علمهم بطبيعة الشعائر المقامة فيها، ولم يقولوا إنها «دور شرك» فلا نحميها وعمر -رضي الله عنه- أزال التراب عن المعبد اليهودي ليقيم فيه اليهود شعائرهم، ولم يقل إنه دار كفر ولا يعني الاعتراف بشرعية الآخر وحقه في معبده الاعتراف بسلامة اعتقاده في نظرنا، بل الشرعية مبنية على حقيقة كبرى قررها الإسلام كونهم بشراً لهم كل الحقوق والحريات في الحصانة والكرامة والحماية والمعتقد والعبادة، ونحن غير مكلّفين بمحاسبتهم، ولسنا أوصياء عليهم، والله وحده هو الذي يحاكم الناس يوم القيامة ولم يذكر التاريخ أن المسلمين احتجّوا أو منعوهم بحجة أن الكنائس دور شرك، وأما كون «المساجد دور الإيمان والإخلاص» فهذا من وجهة نظرنا -نحن المسلمين- وهم يعتبرون «كنائسهم» كذلك ومن الطبيعي أن أتْباع أي دين يعتقدون أن دينهم هو الصحيح، ولكن هذا الاعتقاد ليس مبرراً لحرمان الآخر من حقوقه بل حمايته، وإلا كيف جاز للمسلمين حماية أهل الذمة ومعابدهم؟! يقول الله لنبيه «ما عليك من حسابهم في شيء» لذلك ليس مقبولاً شرعاً وعقلاً ودستوراً وحقاً إنسانياً الاحتجاج على منع إقامة الكنائس بأنها «تمكين» للشرك أو فيها «استحفاف» بالمسلمين أو «تحدٍّ» لمشاعرهم أو «إهانة» لهم... إلخ. مثل هذه الأقوال لا وزن لها في ميزان الشريعة. لقد أمرنا أن نتركهم وما يدينون بل حمايتهم أيضاً.

انظر إلى نص معاهدة معاوية التي وقعها الخليفة عمر لأهل القدس، ولا أنسى التذكير بالآية التي ذكرت دور العبادة لغير المسلمين قبل مساجد المسلمين باعتبار وجوب الدفاع عنها كدفاع عن حرية العقيدة وعن أماكن يذكر فيها اسم الله عز وجل كثيراً.

13 - القول إن «إقامة الكنائس ليس من باب المعاملة بالمثل بل من المسائل الدينية» أقول: نعم، ومن هذا المنطلق الديني وقبل الاعتبارات الأخرى الدولية أقول بشرعية إقامة الكنائس في منطقة الخليج، وذلك من الحقوق المقررة لهم شرعاً وليست «تسامحاً» من المسلمين أو «إحساناً» أو «تنازلاً» بل هي حقوق مقررة لهم في كتاب الله وسنّة رسوله من قبل أن تعرف البشرية قاعدة «المعاملة بالمثل» و«التعايش الديني» ولذلك حين أباح الإسلام الزواج من الكتابية، كلّف الزوج المسلم بتمكينها من الصلاة في كنيستها أو اصطحابها إليها وانتظارها والبِرّ بها وتمكينها من الاحتفال بأعيادها الدينية.

14 - أخيراً أخي المهندس: ألا ترى تناقضاً منطقياً بين قولك «الإسلام دين التسامح» والفتوى التي تقول «لا يجوز لهم بناء دار للعبادة ويعبدون إلههم في بيوتهم»؟ هل تحتاج العبادة في البيت إلى تصريح حتى نسميه «تسامحاً»؟! المقصود بـ«حرية العبادة» المنصوص عليها في الدستور حرية العبادة سراً وعلانية منفرداً أو في جماعة، وحرية الدعوة إلى الصلاة بالأذان لدى المسلمين وبدق النواقيس لدى المسيحيين، وحرية إنشاء المعابد وأداء الطقوس الجماعية.

وختاماً: هذا جوابي عن الرد المعارض، أما الرأي المؤيد فهو من الأخ عاصي علي الذي أخجلني بثنائه وغمرني بدعائه ولا يسعني إلا شكره وتقديره وأن أكون عند حسن ظنه وسأحاول تحقيق ما طلبه.

* عميد كلية الشريعة السابق-جامعة قطر