لا يلدغ مؤمن...
الحكومة من ناحية تفرض مناهجها المتهالكة على المدارس الخاصة من دون النظر في البدائل أو التمييز بين الجيد والامتياز، كما تسعى إلى مد إنجازات «الإدارة الكويتية» بفرضها على المدارس كافة، بغض النظر عمن يديرها الآن، وآثار هذا التغيير على بيئة العمل ومعنويات المدرسين والطلبة.
مع اضطراب الأمور على الجبهة الإيرانية واقتراب المنطقة من حرب عالمية ثالثة، وتأزم الأوضاع في العراق، واحتمالات العدوى الطائفية والعرقية، ومع الضياع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد حدد نوابنا الأشاوس أولوياتهم بمنع مسجد البهرة والقضاء على الاختلاط في التعليم الخاص!يبدو أن نواب الشعب يملكون من المعلومات ما لا نملك وتوصلوا بالحجة والمنطق الى أن البهرة هم السبب في تفشي الفساد في البلد، وتردي مركزنا الاقتصادي والحضاري في الخليج والعالم، وأن الاختلاط هو السبب وراء وفيات الشباب في حوادث السيارات وانتشار المخدرات والإدمان على الكحول والمثلية الجنسية، الأهم أن كلا من البهرة والاختلاط مسؤولان مسؤولية مباشرة عن حالات التخلف العقلي والنفسي التي أصابت الأمة وبعض نوابها. لقد فقدنا الأمل منذ عقود بخدمات الدولة وبالعمل من الداخل للإصلاح، لذا اتجه العقلاء الى بناء نماذج خاصة للنجاح والإنتاجية عل وعسى أن تشكل تلك النماذج حافزاً للتغيير والإبداع، وخير مثال على ذلك هو التعليم الخاص، ولا أود التعميم هنا ولكنني أشير إلى المدارس الخاصة التي نجحت في بناء نماذج متطورة باعتراف الخبراء الدوليين قبل المحليين مثل مدرسة البيان ثنائية اللغة، والمدرسة الانجليزية الحديثة، والمدرسة الأميركية على سبيل المثال لا الحصر.فالمدارس الخاصة الفاعلة في الكويت تملك اعتمادات دولية تثبت صلاحية وفعالية مناهجها ونظمها وطاقمها التدريسي والإداري، وذلك على عكس مدارس الحكومة أو حتى جامعة الكويت العتيدة، والدليل الدامغ هو جودة المخرجات، فالقطاع الخاص يتنافس في استقطاب خريجي المدارس الخاصة لتميزهم الذهني والشخصي والنفسي، فهم بالمتوسط أعلى ثقافة وأقوى شخصية وأكثر قدرة على تحمل ضغوط العمل، وأسرع تأقلماً مع المتغيرات، وذلك لأن فلسفة التعليم الخاص تختلف جوهرياً عن الحكومي، إذ تعتمد مبدأ البناء المتكامل لمهارات الحياة وليس الحفظ والطاعة العمياء.ولكن، للأسف، بدلاً من أن تشكل التجربة الناجحة مثالاً للتجارب الحكومية الفاشلة يبدو أن العقلية المستبدة تسعى إلى السيطرة من دون أي مراعاة للعواقب، وفي هذه الحالة يتفق الجانبان الحكومي والنواب الأعزاء، فالحكومة من ناحية تفرض مناهجها المتهالكة على المدارس الخاصة من دون النظر في البدائل أو التمييز بين الجيد والامتياز، كما تسعى الى مد انجازات «الإدارة الكويتية» بفرضها على المدارس كافة، بغض النظر عمن يديرها الآن وآثار هذا التغيير على بيئة العمل ومعنويات المدرسين والطلبة، وأخيراً يضيف النواب الكرام القشة الأخيرة بمنع الاختلاط «صونا لطلاب وطالبات الكويت من مساوئ الاختلاط» و - وهو الأهم - «بما يتفق والأهداف العامة للتربية بدولة الكويت» (الجريدة – الأربعاء 24 أكتوبر 2007)!الأسئلة كثيرة بالطبع: ما المعلومات والبيانات والدراسات التي تبنى عليها القرارات؟ هل هنالك أصلاً «عملية» اتخاذ قرار أم أنها مسألة أهواء ومصالح شخصية وحزبية؟ مَن يحاسب مَن إذا اتفقت السلطتان على العبث بالقليل الناجح في هذا البلد؟ هل التعليم الخاص فعلاً على رأس أولويات المجلس ووزارة التربية؟ أم أن التخريب أسهل من البناء؟ ماذا نفعل بأبنائنا الآن؟ هل نستسلم ونضعهم بأيدي وزارة التربية ليتحولوا إلى نسخ من «عوير ووزير» الذين يعبثون بالوطن الآن؟ أم نهاجر لنضمن لهم تعليماً يضمن مستقبلهم ويسمح لهم بالنجاح في العالم الحقيقي؟- وسؤال جانبي: ما «الأهداف العامة للتربية بدولة الكويت»؟!الأهم، ألا يخاف نوابنا الكرام من اليوم الذي سوف يحاسبون فيه على قراراتهم؟ ولا أتحدث هنا عن يوم الحساب فذلك اليوم سيكون عسيراً على كل من يعبث بوطننا ومستقبل أبنائنا. ولكنني أذَّكر النواب الكرام أننا قد انتخبناهم في الدورة السابقة لامتثالهم للرغبة الشعبية في ما يخص الدوائر الانتخابية الخمس، ولكن ذلك لم يكن دعوة مفتوحة الى تنفيذ برامجهم الضيقة ومخططاتهم الحزبية والشخصية، هذا ما يجعل ما يفعلونه خيانة للأمانة التي أعطيناهم إياها، وإن أخطأنا في استئمانهم فسيأتي اليوم الذي نصوب فيه خطأنا.