Ad

إن ما حصل في إيران قيامة دينية فكرية ثقافية سياسية أو نهضة عامة تشمل الانتفاض على «الهوية» المؤسسة والمكونة لمنظومة المجتمع الذي كان يستند إليها الحكم البائد كما يفترض، ليتم تهذيبها وتشذيبها وصقلها وإعادة تشكيلها على أساس جديد في إطار «عملية» مستمرة دائمة.

في تقريرها عن الأوضاع الراهنة في إيران لاسيما في ما يخص الانتخابات البرلمانية المرتقبة تقول الواشنطن بوست: «إن جيلاً جديداً من السياسيين التكنوقراط ممن تقل أعمارهم عن الخمسين الذين يعملون تحت إشراف الزعيم علي خامنئي ويريدون الانتقال بإيران إلى مصاف الدول القائدة بدأ يمسك بزمام السلطة في إيران دافعاً الحرس القديم من الطبقة السياسية التي جاءت مع الخميني والتي كانت وراء الإطاحة بنظام الشاه، إلى الوراء... وذلك من خلال منع هؤلاء من الترشح أو إيجاد العقبات أمامهم... «مستشهدة بذلك على أقوال منسوبة إلى الشيخ منتجب نيا يقول فيها: إنهم يتعاملون معنا بقلة وفاء... وإلى خبر منع أحد أحفاد الإمام الخميني من الترشح - في المرحلة الابتدائية طبعاً- وهو علي إشراقي... ثم تضيف بأن ذلك يصب كله في مصلحة الرئيس أحمدي نجاد الصارمة في المواقف الخارجية... إلى آخر التحليل الذي إذا يشبه من شيء فإنما يشبه خليطاً من التوهمات والتمنيات والتحليلات الأحادية الأبعاد التي عادة ما يشتهر بها الغرب عن أحوال الشرق منذ كتابات ماركس عن المسألة الشرقية وصولاً إلى هنتغتون وفوكوياما وبرنارد لويس والعديد من المستشرقين غير القادرين على رؤية الأشياء كما هي!

لماذ نكتب اليوم عن هذا الموضوع بالذات؟!

أعرف أن الموضوع ليس فيه من الإثارة في شيء لكن ما أعرفه أيضا أن عشرات من المقالات والتحليلات العربية سرعان ما ستظهر على وسائل الإعلام العربية مستنسخة هذه الرؤية وبانية عليها العديد من التوقعات أو المواقف... من دون بذل أي جهد يذكر من جانب المتبنين للذهاب بأنفسهم إلى بلد الجوار أو استخدام أدوات التحليل الخاصة بهم، والذين يفترض بهم أنهم أقرب إلى إيران الجارة المسلمة من الأميركيين لمعرفة الحقيقة كما هي على أرض الواقع، وليس كما يصورها المحلل الغربي الذي غالباً ما يدس السم في الدسم كما يقال!

إن ما حصل في إيران في العام 1979 يا إخوتي العرب ليس انقلاباً لفئة نخبوية على السلطة تشبه انقلاب بعض الضباط الأحرار مثلاً – مع احترامنا الشديد لكل الضباط الأحرار- قامت بعده باستبدال رجال السلطة برجال آخرين وضباط مخابرات بضباط مخابرات وأفراد من العسكر بأفراد آخرين من العسكر ورجال دين برجال دين... إلى آخر الحكاية المعروفة في الانقلابات!

إنها قيامة دينية فكرية ثقافية سياسية أو نهضة عامة تشمل الانتفاض على «الهوية» المؤسسة والمكونة لمنظومة المجتمع الذي كان يستند إليها الحكم البائد كما يفترض ليتم تهذيبها وتشذيبها وصقلها وإعادة تشكيلها على أساس جديد في إطار «عملية» مستمرة دائمة الحركة يبدو فيها المجتمع والدولة الإيرانية الجديدة «كل يوم هي في شأن» ولا ثبات فيها لأي من الرجال أو النساء أو الزعامات في مواقعهم التي استحدثوها مهما علا شأنهم، إلا بما يتناسب والدور الذي يناط بهم أو ينتزعونه عن جدارة -وقد يكون عن غير جدارة ولكن إلى حين- والثابت الوحيد فيها هو استمرار النهضة!

إنها فرصة فقط أردت من خلالها تنبيه إخوتي الأحبة الزملاء ممن يكتبون عن إيران بالابتعاد عن الكتابة النمطية أو الشكلية أو الظاهرية التي تصلهم من خلال تقارير الوكالات الأجنبية بشكل تعسفي فج لا يملك من الوقائع إلا قشرتها الخارجية!

إن ما يحدث في إيران اليوم هو عبارة عن «إعادة تشحيم وتزييت لماكينة» القيامة المذكورة، وبالتالي قد تسقط في طريقها الكثير من القشور بما يجعل من كان ثورياً في الأمس رجعياً اليوم، ومن كان محافظاً في الأمس إصلاحياً اليوم، والعكس صحيح في ظل أوج القيامة الكبرى!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني