كيف نربّي أولادنا ولا نقسو في العقاب؟ د. هاني جهشان: لا تضرب طفلك
كيف أقوم بتربية ولدي؟ ما الطريقة المثلى للتربية؟ كيف أعاقبه من دون الإساءة اليه؟ أسئلة كثيرة تخطر في بال أولياء أمر الاطفال في زمن اتسعت فيه الفجوة بين جيلين: الابناء من ناحية والآباء والأمهات من ناحية ثانية. ثمة عدد كبير من أولياء الامور يضرب ابناءه بحجة التأديب، ما ينعكس على الطفل بشكل سلبي ويحدّ من احترامه مولداً لديه الغضب فالعصيان. لمناقشة هذه الاسئلة التقينا د. هاني جهشان الطبيب الاستشاري في المركز الوطني للطب الشرعي في الاردن. فكان هذا الحوار. ما صحّة انتشار ظاهرة إقدام الآباء على ضرب اطفالهم بهدف التأديب؟ للأسف، ثمة دراسات تشير الى اعتقاد كثيرين ان الضرب التأديبي ليس جيداً فحسب بل هو أساسي لتنشئة الاطفال، حيث ان 90 % من الآباء يضربون اطفالهم حتى بلوغهم سن الخامسة بمعدل 3 مرات اسبوعياً و52 % من الاطفال المتفاوتة اعمارهم بين 13 و14 عاماً عادة ما يضربون و20 % من التلاميذ في المرحلة الثانوية يضربهم آباؤهم، كما 60 % من الآباء يصفعون ابناءهم على الوجه او على اليدين، و20 % يدفعون الطفل او يرفعونه بعنف من أحد اطرافه. ثمة 15 % يستخدمون العصا أو أي أداة منزلية لتأديبه و10 % غالباً ما يقومون بقذفه بجسم يحملونه مصادفة. ما الحدود الفاصلة بين تربية الطفل وتأديبه والإساءة اليه بالضرب؟ لا يمكن تحديد فاصل بين تأديب الطفل ضرباً والإساءة الجسدية اليه. ثمّة لا عدالة في هذا السلوك. إثر تولّد الميول العدائية. يضرب شخص بالغ شخصاً آخر بالغاً. وهذا فعل متخلف غير حضاري. اما ان يضرب طفل شخصاً بالغاً فهذا عيب اجتماعي إذ لا يجوز ان يتطاول الصغير على الكبير. ان يقوم طفل بضرب طفل آخر إنما هو دليل على عدم تربية ويستحق العقاب. أما حين يقوم بالغ بضرب طفل فتنعكس المقاييس وتظهر الازدواجية ويسمّى الفعل تربية وتأديباً! ما مدى فاعلية معاقبة الاطفال جسدياً؟ ماذا عن التداعيات؟ عقاب الطفل جسدياً غير نافع إذ ثمة مضاعفات وخيمة كونه وسيلة غير فاعلة لتعديل السلوك لدى الاطفال خاصة في زماننا. الضرب يجنب الطفل موقتاً السلوك السلبي لكنه يرتكب الخطأ مرة جديدة. يولّد الضرب لدى الطفل عصياناً وعدم قدرة على التواصل مع الآخرين، اضافة الى تدنّي احترام الطفل لنفسه. يؤدي العقاب ضرباً الى أذى غير متوقع. في كثير من الحالات يؤدي الصفع الى ثقب طبلة الأذن، وأحياناً الى ارتجاج في الدماغ او العمى او الوفاة، او اصابة في العمود الفقري، الخ. قد يغيب عن اولياء الامور ان ضرب الطفل تأديبياً هو بمثابة عملية تدريبية منظمة لتعليم الطفل العنف. يصبح العنف سمة يتكرر حدوثها لديه مع زملاء الدراسة وزوجة المستقبل. وفي المجتمع عامّة، ما يشير الى ان عقاب الطفل بتلك الطريقة غير فاعل على الاطلاق. لكّن ثمة الكثير من البدائل المطروحة لتأديبه وتربيته. ما البديل في تربية الاطفال من الضرب تأديبياً؟ ثمة بديل من الضرب التأديبي حين يوفّر الوالدان ظروفاً وقائية مناسبة للطفل فذلك يقلل من احتمال تعرضه للضرب وإثر توافر هذه الظروف ليس على الأب او الأم القول «لا» لطفلهما طوال الوقت كما لا يتوجب على الطفل ارتكاب الخطأ في ظروف مغرية. في الامكان مكافأة الطفل لسلوكه الجيد بالمديح وبوسائل علمية. لا بد من ان يتبع الوالدان الأقل من القواعد شرط ان تكون منطقية ومناسبة لعمر الطفل. عملياً، كيف يسيطر ولي الامر على غضبه أثناء تعامله مع ابنه؟ أنصح لأي ولي أمر «في حال شعرت بالغضب وفقدت السيطرة على سلوكك ورغبت في ضرب طفلك او صفعه حاول لو استطعت ان تترك مكان وجود الطفل فوراً». لا بد ان تسيطر على مزاجك. ثمّة طريقة اخرى للتعامل مع المشكلة. قد لا يكون الطفل سبباً في شحنات الغضب لديك والتوتر في المنزل او في العمل. قد يقوم الآباء بضرب الاطفال حين لا يصغي الطفل الى النصائح المتكررة لتحسين سلوكه. في الختام لا يجد الاب او الام مفراً من ضرب الطفل لأجل سلوك مستقيم غير ان الحل المثالي يكمن في التواصل مع الطفل والتحديق الى عينيه كمثال وإخباره بجملة قصيرة حازمة ما نريده ان يفعل. كن لطيفاً وحازماً في الوقت نفسه. الى أي حدّ يمكن اعتبار حماية الطفل من الإساءة تدخلاً في حرية الوالدين وحقهم في تربية الاولاد؟ ثمة اتفاق يحق بموجبه للوالدين تربية الطفل، الى واجب الامومة والأبوة لتلبية حاجاته ما يمنحه فرصة سليمة للنمو الجسدي والنضج النفسي والاجتماعي، ليتمكن من الاعتماد على نفسه مستقبلاً. قد لا يكون متوقعاً ان يلبّي الوالدان احتياجات الابناء بأشكالها المختلفة في الاوقات كافة. ان الحديث عن حماية الاطفال وتربيتهم بالشكل الأمثل لا يعد تدخلاً من الوالدين بقدر ما هو حق مشروع لهما لضمان نمو الطفل وحمايته.