Ad

المجلس لم يعطل التنمية، رغم تحفظنا على أدائه وعلى النظام الانتخابي الذي أتى بناءً عليه. فلا وجود لخطة تنمية حتى يقوم المجلس بتعطيلها. وبما أن المجلس لم يعطل التنمية، إذن الدستور لم يكن عائقاً في سبيل تحقيق التنمية.

يلمس المتابع للشأن العام استياءً شعبياً من أداء مجلس الأمة، ومن أداء الحكومة أيضاً، وقد تم استغلال هذا الاستياء من قبل المُعادين للديموقراطية للترويج لمقولة إن مجلس الأمة هو السبب في تعطيل برامج التنمية في الكويت، وحيث إن مجلس الأمة هو نتاج لدستور 1962، إذن الدستور هو العقبة الرئيسية التي تعترض تحقيق التنمية، حسب ما تروج قوى الفساد والانفراد بالسلطة، لذلك يجب الانقلاب على الدستور، حسب رأيهم، من خلال ما يسمى الحل غير الدستوري، وإعادة «تضبيط» الوضع السياسي برمته. وهو ما تجدد الحديث حوله مرة أخرى، في الوقت الذي اعتقد الناس أن هذا الموضوع قد طُوي للأبد بعد تأكيدات سمو الأمير قبل فترة.

فهل ما يدّعيه مسوّقو الانقلاب على الدستور صحيح؟ أي هل مجلس الأمة، وبالتالي الدستور، هو المعطل للتنمية؟ وهل يمكن من خلال الانقلاب على الدستور استقرار الوضع السياسي؟ وبأي اتجاه؟

أولاً، لابد من الاعتراف أن مجلس الأمة الحالي هو نتاج للنظام الانتخابي الذي ابتدعته الحكومة، منفردة، في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وهو ما يعرف بالتقسيم الخمس والعشريني للدوائر، الذي ثبت فشله، وكثر الاعتراف بمثالبه حتى من الحكومة نفسها، وجرى استبداله العام الماضي، بعد مطالبات شعبية، بنظام الدوائر الخمس. وكان من المفروض، أن تتم الدعوة إلى انتخابات جديدة على النظام الانتخابي الجديد، استجابة للرغبة الشعبية أولاً وتحقيقا لبرامج التنمية «المعطلة» ثانياً. إن كانت الحكومة تدعي أن المجلس الحالي، نتاج النظام الانتخابي الذي ابتدعته ودافعت عنه و«ضبطت» مخرجاته، هو سبب عرقلة التنمية. على أنه من غير الإنصاف الإقرار بسلامة هذا الادعاء. فالحكومة لم تتقدم قط للمجلس بمشروع رؤيتها التنموية الاستراتيجية، ولم تتقدم أبداً بمشروع خطتها الخمسية منذ العمل بالدستور إلا بمشروع يتيم لمجلس 1985، ولم يتم إقراره بسبب حل المجلس وتعطيل الدستور عام 1986. كما أن المجلس الحالي، وعلى الرغم من سوء أدائه، خاصة فيما يتعلق بالحريات العامة، قد قام بإقرار 35 قانوناً خلال دور الانعقاد الماضي، وكان بإمكان الحكومة أن تبادر لطلب عقد جلسات خاصة لإقرار أي قوانين تنموية ترى ضرورة إنجازها، ولكنها لم تفعل ذلك!

نستنتج من ذلك أن المجلس لم يعطل التنمية، رغم تحفظنا على أدائه وعلى النظام الانتخابي الذي أتى بناء عليه. فلا وجود لخطة تنمية حتى يقوم المجلس بتعطيلها. وبما أن المجلس لم يعطل التنمية، إذن الدستور لم يكن عائقاً في سبيل تحقيق التنمية، بل على العكس فقد حقق الدستور الاستقرار السياسي للبلد ومنح الحكومة الكثير من الصلاحيات التي تؤهلها، لو بادرت، لإنجاز الكثير من البرامج التنموية الطموحة.

أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، والمتعلق بمحاولة الانقلاب على الدستور وإمكان استقرار الوضع السياسي، فتكفي للإجابة عنه أن نتذكر أن الدستور الكويتي كان أساس التمسك بالشرعية الدستورية أثناء الغزو العراقي، وهو المرجعية في حل ما سُمي بأزمة الحكم في العام الماضي. كما نتذكر ردود الفعل الشعبية خلال محاولتي الانقلاب على الدستور والانفراد بالسلطة عامي 76 و86، مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية الجديدة، التي تختلف اختلافا كلياً عما كانت عليه وقتذاك.

لذا نستطيع الجزم بأن «مسوّقي» محاولة الانقلاب على الدستور، غير حريصين على الاستقرار السياسي والاجتماعي للكويت.