عندما شد «البرلمان العربي الانتقالي» الرِّحال وذهب للتوسط بين «فتح» و«حماس»، فإنه كان يعرف سلفاً أن وساطته هذه ستكون بلا نتيجة وأنها ستكون مجرد قفزة هوائية فوق حبال غزة والضفة الغربية المشدودة بالكره والاحتراب، ولكنه مع ذلك قام بهذه الوساطة التي أخذت رئيسه ومعه بعض زملائه إلى عمان أولاً للقاء محمود عباس (أبو مازن) ثم الى دمشق للقاء خالد مشعل ومساعديه بدافع المسؤولية القومية أولاً، وبدافع رفع العتب بالدرجة الثانية.
وهكذا، فإن هذه المحاولة لم تأت بأي نتائج فالقلوب متورمة بالحقد والكراهية، والمواقف متباعدة بمقدار بعد نجوم المجرة عن الأرض والاشتراطات المتبادلة التي سمعها هذا الوفد أكدت له أنه بالإمكان أن يلتقي جبلان متباعدان، لكنه ليس بالإمكان أن يلتقي تنظيمان متناحران كل واحد منهما يسعى الى إلغاء الآخر وإنهائه وأن يلتقي أبو مازن وإسماعيل هنية. إن هذه الحــركة المكوكية التي قام بها وفد البرلمان العربي للتوسط بين «الأشقاء الفلسطينيين»، وأي أشقاء! هي آخر حلقة في سلسلة طويلة من الحلقات المتداخلة والمتلاحقة التي انتهت ليس إلى لا شيء، بل إلى هذا الانقلاب العسكري الذي نفذته حركة «حماس» في منتصف الشهر الماضي الذي تخللته فظائع دلَّت على أن القلوب ممتلئة بالحقد الأسود ودلَّت على أن الافتراق سيبقى إلى الأبد، إن هو لم يحسم بانتصار المغلوب على الغالب وعلى أساس شعار عبدالناصر الشهير: «ما أُخذ بالقوة لا يمكن ان يُسترد إلا بالقوة»! رفض الإخوان المسلمون، الذين أنجبوا حركة «حماس» وبدأت بقيادة خالد مشعل تتمــرد عليهم وتمد لسانها في وجوههـم، الانضمام الى الثـورة الفلسطينية التي ولدت على شاطئ «الصليبخات» في الكويت على أساس أنها حركة علمانية «ملحدة»! وتابعة لحزب البعث الحاكم في سورية وللرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر وللتيارات القومية العربية، وكل هذا بينما كانت خلفيات معظم الذين أسسوا حركة «فتح» إسلامية أو إسلاموية مثل ياسر عرفات وصلاح خلف (أبو إياد) وخليل الوزير (أبو جهاد) وأبو يوسف النجار وخالد الحسن... وحتى محمود عباس (أبو مازن). بقي الإخوان المسلمون (الفلسطينيون والأردنيون) يناصبون الثورة الفلسطينية العداء وبقوا يرفضون الانضمام إليها، اللهم باستثناء محاولة استعراضية محدودة في نهايات ستينيات القرن الماضي عندما أقام عدد من ملتحيهم قاعدة في وادي المشارع بالقرب من مدينة إربد الأردنية، إلى أن بدأت تظهر حركة «حماس» في نحو العام 1987 فرموا بثقلهم في اتجاهها وعلى أساس أن لحظتهم التاريخية قد جاءت وأن منظمة التحرير بكل فصائلها وقادتها قد خرجت من بيروت في العام 1982، وهي منهكة ومنتهية وأنه لابد من إطلاق رصاصة الرحمة على رأسها والجلوس مكانها. لقد حاول ياسر عرفات، الذي أصبح مقره في تونس، استيعاب هذه الحركة الوافدة على ساحة العمل الوطني الفلسطيني، لكنه لم يفلح رغم المفاوضات «الماراثونية» التي أجراها مع رموزها وقادتها والتي تنقلت بين عواصم عربية كثيرة، من الكويت إلى عمان إلى صنعاء إلى القاهرة إلى الجزائر. ولقد ثبت بخاصة بعد تطورات نهايات عقد تسعينيات القرن الماضي وبدايات هذا القرن الجديد أن حركة «حماس» تريد الجمل بما حمل وأن هدفها هو تدمير منظمة التحــرير وحركة «فتح» والسلطة الوطنية والاستيلاء على كل شيء، وهذا ما أثبته انقلاب غزة العسكري الأخير. إذن، لا يجوز أن يقال أن وفد البرلمان العربي الانتقالي قد فشل، فالفشل سابق للمهمة التي قام بها هذا الوفد بنحو ثلاثين عاماً، و«حماس» التي قامت بانقلابها الأخير في غزة، تسعى إلى انقلاب مماثل في الضفة الغربية وتسعى الى وراثة منظمة التحرير في كل شيء، السلطة الوطنية والدولة المستقلة المنشودة والمفاوضات، ولذلك فإنه كان معروفاً سلفاً أن البرلمانيين العرب لن يحققوا شيئاً وأن أقصى ما يمكن أن يعودوا به من رحلتهم المكوكية هو رفع العتب... ورفع العتب فقط ولا أكثر منه. كاتب وسياسي أردني
مقالات
لا أكثر من رفع العتب!
11-07-2007