Ad

هذه أول مرة تُهاجم «الجزيرة» من قبل مواقع «القاعدة» الشريك والحليف السياسي والايديولوجي على الإنترنت، بهذا الأسلوب الشديد والقاسي، مما يعني بدء شرخ جرة العسل شرخاً عميقاً، التي بين «القاعدة» وقناة الجزيرة والخاسر في هذه الحالة كلا الطرفين.

قلنا في مقالنا السابق إن «القاعدة» تلقّت صفعتين دينيتين، الأولى من مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، والثانية من الشيخ سلمان العودة الداعية السلفي السعودي المشهور. وكان هذان الشيخان قد أصدرا في الفترة الأخيرة فتاوى وبيانات دينية رسمية وشعبية، تُنكر دينياً ما قامت به «القاعدة» من عمليات إرهابية في العراق وغير العراق، مما شجع بقية الجماعات الدينية الأخرى على الابتعاد عن «القاعدة»، وعدم تلبية مطالبها بالانضمام إلى ما أُطلق عليه «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين» التي شكّلها أيمن الظاهري عام 1998. وكان آخر الرافضين في هذا الشأن «تنظيم الجماعة الإسلامية» المصري، الذي حاول اسامة بن لادن ومن معه ضمهم إلى تنظيم القاعدة، ولكنه فشل حسب ما نُشر في الأسبوع الماضي (جريدة «المصري اليوم»، 31/10/2007).

صفعة دينية ثالثة للقاعدة

كانت الصفعة الثالثة لـ«القاعدة» ولابن لادن بالتحديد، وللإرهاب الدموي الدائر في العالم العربي قد جاءت من الكويت، ومن النائب وليد الطبطبائي، الذي يمثل التيار الديني المتشدد في البرلمان الكويتي، وهو الذي قال عن قرار البرلمان الكويتي بالسماح بترشيح وانتخاب المرأة الكويتية في مايو عام 2005 بأنه «يوم أسود» (جريدة «السياسة» 17/5/2005). وربط في تصريحاته بخصوص حقوق المرأة السياسية، بحالات الشذوذ التي ستنتشر وازدياد اللقطاء في حال إقرار هذه الحقوق. وهذا النائب المثير لزوابع سياسية ودينية كثيرة في الكويت، عاد إليه الوعي الديني أخيراً، ووجّه رسالة نقد قاسية ومريرة إلى اسامة بن لادن (جريدة «الوطن» الكويتية،27/9/2007) أعلن فيها تجريمه لابن لادن، وقال له فيها تعليقاً على خطاب ابن لادن الذي دعا فيه الشعب الأميركي إلى الإسلام:

«يا شيخ أسامة كيف يصلح أن تدعو الشعب الأميركي إلى الإسلام، وأنت تعترف بجرأة كبيرة بأنك وراء قتل الآلاف منهم في أحداث 11 سبتمبر 2001، ألا تعتقد ويعتقد كل عاقل أن هذا تنفير لهم من الإسلام؟».

ثم يقول الطبطبائي صراحةً وبقسوة غير مسبوقة، منتقداً ومُديناً إرهاب «القاعدة» في العراق «ثم يا شيخ أسامة ألا تعتقد، ويعتقد العقلاء، أن ما فعله ما يُسمّى بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين من خلط الجهاد ضد الاحتلال بعمليات الخطف، والذبح، والتفجير، في الأماكن العامة، واستهداف دور العبادة والمدنيين من الشيعة والسنَّة على السواء، قد أدى إلى تشويه صورة الجهاد والمقاومة في العراق».

وينتهي الطبطبائي في هذه الفقرة من رسالته إلى نتيجة أن أعمال «القاعدة» الإرهابية، قد أضرّت بالإسلام في جميع أنحاء العالم. ويقول الطبطبائي صراحةً لابن لادن ما لم يسمعه ابن لادن من أي من السياسيين الدينيين المتشددين الآخرين «إن الخطَّ الذي تسيرون عليه، قد أضرَّ بالعمل الإسلامي والدعوة الإسلامية، في شتى أنحاء العالم».

النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله

ولا بُدَّ أن ابن لادن قرأ هذا كله، وأيقن أن أرصدته السابقة لدى المؤسسات الدينية الرسمية والشعبية والسياسية قد انخفضت كثيراً، قبل أن تنخفض أرصدته السابقة لدى الجماعات الإرهابية المسلحة الأخرى والعشائر العراقية الوطنية النبيلة، لذا، فقد أطلق نداءه الأخير مطالباً شياطينه وأفاعيه في العراق بالوحدة، بعد أن تفرقوا وتشتتوا، وذهبت ريحهم، كما طالبهم بنبذ التعصب والخلاف، بعد أن تعصبوا واختلفوا وقتل بعضهم بعضاً، وأصبحوا كالنار التي تأكل بعضها بعضاً، إن لم تجد ما تأكله. وأقرَّ ابن لادن لأول مرة من عمر «القاعدة» بوقوع أخطاء من جانب شياطينه (عناصره)، وعناصر ميليشيات الإرهاب الأخرى في العراق.

وهذه الكوارث المحتّمة التي حاقت بعناصر «القاعدة» وفرق الإرهاب الأخرى، هي التي بدت كالنار التي لم تجد ما تأكله بفضل وعي الشعب العراقي وتضحيات عشائره النبيلة، فبدأت تأكل بعضها بعضاً كما قلنا، فخفّت العمليات الإرهابية في العراق، وتقلّص عدد القتلى الأبرياء من العراقيين يومياً. وهو ما قاله الرجل الثاني في القيادة العسكرية الأميركية في العراق في 24/10/2007 من أن القوات الأميركية تأمل في تسليم نصف بغداد للسيطرة الأمنية العراقية بحلول نهاية عام 2008، بعد أن تراجعت أعمال العنف في العراق إلى أدنى مستوى لها منذ يناير 2006. وقال الليفتنانت جنرال ريموند أودييرنو المسؤول عن العمليات اليومية للقوات الأميركية في العراق «نحن حريصون على تسليم العراقيين المسؤولية كاملة بقدر حرصهم على توليها كاملة». ورجّح المسؤول العسكري الأميركي أن يجري «تسليم قطاعات كبيرة من بغداد لقوات الأمن العراقية، تصل ما بين

40 - %50 من بغداد بحلول نهاية 2008». وألمح أودييرنو إلى أن مستوى الهجمات لايزال في منحنى منخفض بدأ في يونيو، مشيراً إلى أن حوادث انفجار قنابل مزروعة على الطريق تراجع بنسبة تزيد على %60 في الأشهر الأربعة الأخيرة.

هل انكسرت جرّة عسل «القاعدة» مع «الجزيرة»؟

لقد علم اسامة بن لادن وهو في كهفه المظلم في «تورا بورا» أو على حدود باكستان بهذه النتيجة مسبقاً من خلال أجهزته الإعلامية في الخليج والعراق، فاستبق تقرير القوات الأميركية، واتفق معه بشكل غير مباشر. وهو ما أزعج وأغاظ الكثير من المواقع على الإنترنت التي دافعت عن مضمون الخطاب، وهاجمت وسائل الإعلام العربية والأجنبية كلها، التي ركّزت على روائح اليأس والقنوط والإحباط والتراجع والهزيمة في هذا الخطاب، وركزت على ضرورة تحاشي أخطاء الماضي ووحدة الإرهابيين ولمِّ صفوفهم المبعثرة وقلوعهم المنكسرة، ومراكبهم المحطمة، وسيوفهم الخشبية، التي أصبحت تجزُّ رؤوس بعضهم بعضاً. وكان على رأس هذه الوسائل الإعلامية فضائية «الجزيرة» الماكينة الإعلامية القوية والمخلصة لـ«القاعدة»، فبعض المواقع على الإنترنت التي تساند «القاعدة» اعتبرت ما بثته «الجزيرة» من خطاب ابن لادن المجزوء وما قالته في برنامج «ما وراء الخبر» تعليقاً وتحليلاً لما جاء في خطابه هو «جزء من الحملة الصليبية» التي تواجه «القاعدة»، وأن قناة الجزيرة بتركيزها على الانقسامات والانشقاقات داخل صفوف الإرهابيين، أصبحت «متعاونة مع الصليبيين». وقال «مركز الفجر للإعلام» المتعاطف مع «القاعدة»: «بدلاً من أن تلتزم قناة الجزيرة بميثاق الشرف الصحفي والحيادية التي تدعيها بأنها قناة الرأي والرأي الآخر، أبى القائمون عليها إلا أن يكونوا مطية الصليب وأهله ورداءً لأهل النفاق وخبالة أهل العراق».

ذبابة بائسة في النفايات

ووصف موقع آخر على الإنترنت قناة الجزيرة بأنها «ذبابة بائسة في النفايات» بعد كل ما فعلته خلال السنوات الست الماضية، ونالت عليه سخط الساخطين، نتيجة لرفعها أعلام «القاعدة»، والتي كانت أعلى من أعلام قطر ذاتها. وهددت مواقع أخرى قناة الجزيرة، وبأن «يومها قادم»، و«لن تكون بأمان».

وهذه أول مرة تُهاجم «الجزيرة» من قبل مواقع «القاعدة» الشريك والحليف السياسي والايديولوجي على الإنترنت، بهذا الأسلوب الشديد والقاسي، مما يعني بدء شرخ جرة العسل شرخاً عميقاً، التي بين «القاعدة» و«الجزيرة» والخاسر في هذه الحالة كلا الطرفين. لأن أمجاد قناة الجزيرة وانتشارها قاما على تبنيها لإعلام «القاعدة». وإعلام «القاعدة» انتشر وازدهر بواسطة قناة إعلامية قوية كـ«الجزيرة».

*كاتب أردني