Ad

كان مما قالته لي نصْرتْ خلال لقائها في التسعينيات أن ابنتها (بينظير) تسعى إلى اختطاف الزعامة «البوتية» من يد شقيقها مرتضى الذي كان يومها معتقلاً في أحد السجون في منطقة «السند» وتركيزها في عائلة زوجها آصف زرداري الذي أراد، ربما مــن قبيل اللياقة والوفاء، أن تكون هذه الزعامة لابنه بيلاوال، وبذلك تحققت نبوءتها.

إنها قصّة بقيت حبيسة صندوق الأسرار لنحو أربعة عشر عاماً... إذْ في عام 1993 ذهبت إلى إسلام آباد في مهمة صحفية أخذتني إلى بيشاور، حيث التقيت هناك عدداً مــن قادة «المجاهدين» الأفغان الذين بعد أن انتهى جهادهم المدعوم بأموال وصواريخ وبركات الـ«سي.آي.إيه» اقتتلوا على السلطة إلى أن جاءت «طالبان» ثم حصل ما حصل، وأخذتني إلى مدينة مظفر آباد عاصمة الجزء الباكستاني من كشمير، حيث زرت مخيمات اللاجئين وأمضيت يوماً كاملاً في المواقع العسكرية المتقدمة في مواجهة القوات الهندية.

لقد كانت إحدى أهم رحلات صحافي أخذته مهنة المتاعب إلى «أربع رياح الأرض» من فيتنام بعد توقف حربها العظيمة بأيام، إلى أفغانستان بعد انقلاب بابراك كارمال، وبعد ذلك إلى عدن يوم أن «جُنَّت» وتقاتلت العشائر الماركسية حتى سالت الدماء أنهاراً... إلى مجاهل أفريقيا، إلى حصار طرابلس في الشمال اللبناني، إلى شمالي العراق في ضيافة الأكراد في ذروة سطوة صدام حسين... إلى الجزائر التي لها في القلب مكانة كبيرة.

بعد وصولي إلى إسلام آباد «ديار الإسلام» التي اختار موقعها الجنرال أيوب خان ووضع أساساتها فأصبحت من أجمل العواصم وأرحبها التقيت بالسيدة الفاضلة نصرَتْ بوتو «الصابونجي» والدة بينظير بوتو... كانت قد بدأت تدخل خريف العمر لكن بقايا ما تبقى فيها من شباب يظهر أنها كانت امرأة «امرأة»، وأنها بالإضافة إلى جمالها الأخّاذ وأناقتها الوقورة عذبة الكلام وتختار كلماتها بأناة ممتهني صناعة عقود الألماس والحجارة الكريمة وأناة أصفهاني يحيك واحدة من أجمل وأثمن وأفخر السجاد الفارسي.

كان هدف اللقاء، بالإضافة إلى «حُشرية» الصحافي وبحثه الدائم عن غرائب الأخبار خلال أبعد الأسفار، الحصول على مذكرات ذو الفقار علي بوتو ابن العائلة السنديِّة الأرستقراطية التي تضاهي عائلة «غاندي» في الهند، والذي تتلمذ على يدي «القائد المظفر» محمد علي جناح، ودرس في الغرب، وبعد عودته أراد أن يزرع ورود الديموقراطية التي تعرف عليها في بريطانيا والولايات المتحدة في ثكنات الجيش فكانت النتيجة أنه دفع حياته ثمناً لتلك المحاولة المبكرة، كما دفعت ابنته بينظير «بلا نظير» حياتها قبل أيام على الطريق نفسه.

بدأت «الليَّدي» نصرت بوتو «الصابونجي»، التي كانت يومها رئيسة حزب الشعب الباكستاني الذي أسسه زوجها ذو الفقار بعد اختلافه مع الجنرال أيوب خان في ستينيات القرن الماضي، الكلام بالشكوى المرة من ابنتها بينظير التي كانت رئيسة للوزراء، وكان مما قالته أن ابنتها تسعى إلى اختطاف الزعامة «البوتية» من يد شقيقها مرتضى الذي كان يومها معتقلاً في أحد السجون في منطقة «السند» وتركيزها في عائلة زوجها آصف زرداري التي لا تحظى بموقع اجتماعي كالموقع الذي تحظى به عائلة بوتو.

في ذلك اللقاء الذي استمر أكثر من ساعتين في دارتها الجميلة في إسلام آباد المحاطة بحراسة مشددة تحدثت نصْرت عن زوجها ذو الفقار بفخر يمتـزج بالمرارة والحسرة، وتحدثت كثيراً عن ابنها شاه نواز الذي قُتل بالسُّم في إحدى الدول الأوروبية، وتحدثت عن ابنها مرتضى الذي قالت إن أشباحاً تهاجمه في زنزانته في كل ليلة مـن ليالي سجنه الذي وصفته بأنه من أبشع السجون وأسوئها!!

يوم الأحد الماضي تذكَّرت ذلك اللقاء عندما خرجت زعامة حزب الشعب الباكستاني من عائلة بوتو العريقة إلى عائلة زرداري، حيث كانت وصية بينظير أن تكون زعامة هذا الحزب الذي بقي يلعب دوراً رئيساً في الحياة السياسية نحو أربعة عقود من الزمن لزوجها آصف... ولكن آصف ربما مــن قبيل اللياقة والوفاء أراد أن تكون هذه الزعامة لابنه بيلاوال الذي هو حفيد ذو الفقار والذي أصر على أن يكون اسمه بيلاوال بوتو زرداري... وهكذا تكون قد تحققت نبوءة نَصْرت!!

* كاتب وسياسي أردني