إن العمل المؤسسي الجامع والشامل من شأنه أن يرتقي بمستوى العطاء وأن يجمع خلاصة الفكر المتناثر والمقيد في حدود الانتماء الضيق، أياً كانت تسمياته، إلى رحاب أوسع وأن يسخر مثل هذا العقل الجمعي لمصلحة أكبر تكون محصلتها النهائية لفائدة القبيلة والطائفة والعائلة بقدر ما تكون للدولة والمجتمع.السباق الفعلي لانتخابات 2008 بدأ قبل صدور مرسوم دعوة الناخبين وفتح باب الترشيح، وهذه ظاهرة سياسية بحد ذاتها يفرضها الواقع الكويتي بسبب الفراغ الكبير للمؤسسات الانتخابية، وفي مقدمتها الأحزاب والتنظيمات السياسية، وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية للخارطة الانتخابية ناهيك عن الملامح الرئيسية المحتملة لنتائج هذه الانتخابات خصوصا في ظل اللغز المحير للدوائر الجديدة، تبقى هناك جملة من الملاحظات المهمة التي تحتاج إلى دراسة شاملة وعميقة لمفهوم التطور السياسي في الكويت.
ولعل من أبرز هذه الملاحظات تجذر الحالة الفسيفسائية وحسها السياسي المرهف، والتي انعكست بتلقائية أو كردود أفعال من خلال الإعلانات السريعة لترشيح أبناء القبائل والطوائف والعوائل تبعاً لانتماءاتهم الضيقة جداً، ففي القبيلة الواحدة برزت البطون والأفخاذ، وفي الطائفة الواحدة هناك الدعوة والفزعة للأصل العرقي، وبين العوائل الكبيرة أو النخبوية بدا معيار الأسرة هو الأساس للتحرك والتعبئة السياسية، ولسنا بصدد نقد مثل هذه الظاهرة وإنما تحليلها على ضوء تجربة المشاركة الديموقراطية التي انطلقت في الكويت منذ الربع الأول من القرن الماضي، وكان من المفترض كما تبين السنن التاريخية والثقافة الإنسانية أن تتدرج مثل هذه التجربة نحو المزيد من الكمال والتطور في مسيرة بناء دولة المؤسسات والقانون والنظام العام، وفي ظل هذا الغياب الواضح لا يكون اللجوء إلى الانتماءات الضيقة أمراً مشروعاً فحسب، بل يمكن أن تتحول إلى بديل للمؤسسات السياسية العامة وتضع أولويات القبيلة أو الطائفة أو العائلة أو غيرها وتحدد برامج عملها ويشكل لها صمام أمان للدفاع عن حقوقها أو محاولة إثبات أنها تشكل رقماً سياسياً يعمل له حساب على مستوى المجتمع ككل.
وحتى لا نخرج عن إطار التحليل الموضوعي أيضاً فإن كل هذه المكونات تقف على درجة واحدة من حيث الحقوق والواجبات الدستورية ولها نفس القدر من حق المساهمة والمشاركة في صنع القرار العام للدولة بل تتساوى من حيث تمتعها بكفاءات وشخصيات ورجالات قادرة على العطاء وتحمل شعور الغيرة الوطنية، والاستعداد للعطاء من أجل المصلحة العامة.
ومع ذلك تبقى حقيقة واحدة مستمدة من التجارب البشرية عموماً ومن الثقافة السياسية التراكمية خصوصاً بأن العمل المؤسسي الجامع والشامل من شأنه أن يرتقي بمستوى العطاء وأن يجمع خلاصة الفكر المتناثر والمقيد في حدود الانتماء الضيق، أياً كانت تسمياته، إلى رحاب أوسع وأن يسخر مثل هذا العقل الجمعي لمصلحة أكبر تكون محصلتها النهائية لفائدة القبيلة والطائفة والعائلة بقدر ما تكون للدولة والمجتمع في نفس الوقت.
وأمام الواقع الجديد المتمثل في خارطة الدوائر الجديدة فكل ما يتمناه الجميع هو أن تكون نتيجة الانتخابات موجهة لخلق أرضية انطلاق لتحديد الهوية الوطنية للمجتمع الكويتي، ومحاولة جادة لبناء الدولة في إطار المفهوم السياسي الأوسع لمعنى الدولة، مع حكومة جديدة تساهم فعلياً في ترجمة هذا الطموح الذي أصبح ضرورة حتمية أكثر من أي وقت مضى.