ندوة سرية في اليرزة شاهد آخر من أهله 2
من الأسئلة المهمة التي طرحها الضباط على المناظرين في اليرزة: ألا ترى أن في حديثك مبالغة عن ضعف دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ وهل السياسة الأميركية في العالم بشكل عام، وفي الشرق الأوسط بشكل خاص هي ردة فعل طبيعية لأحداث 11 سبتمبر؟ وأين يتوافق ويتعارض الدور المصري مع نظرة الولايات المتحدة في لبنان؟
أسئلة مهمة كثيرة طرحها الضباط على المناظرين الأجانب الذين حضروا «الندوة السرية» في اليرزة (راجع الحلقة الاولى المنشورة في 2/4/2008)، ولا مجال لذكرها كلها مع اجوبتها، نظراً الى ضيق المجال؛ لذلك سأكتفي باختيار ثلاثة اسئلة، قناعة مني بأنها تشرح الرموز الأساسية لما تعانيه منطقتنا العربية في الوقت الحاضر.• السؤال الاول: ألا ترى ان في حديثك مبالغة عن ضعف دور الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وانها -اي الولايات المتحدة- لاتزال الدولة القوية بامتياز وبإمكانها ان تفرض او تعرقل اي حلّ عندما تشاء أو لا تشاء؟- الجواب: منطق ادارة المناظرات هو منطق مواجهاتي واحياناً غير مواجهاتي، انا اتبع المنطق المواجهاتي باستمرار، واعتقد ان اي حديث موضوعي من ان الولايات المتحدة لها القدرة على فرض حلّ في اي من قضايا الصراع في الشرق الاوسط الرئيسية هو حديث غير دقيق، والدليل على ذلك ان الولايات المتحدة لم تستطع فرض اي حلّ بين 2002 و2008. لنترك جانباً الصراع العربي-الإسرائيلي لأنه قضية شديدة التعقيد والتأزم، ولم تنجح ادارات اميركية متعاقبة في فرض حلول لها، او حتى البدء بشكل جدي بأي حلّ، ولنتحدث عن ازمة العراق اولاً، ونطرح على انفسنا السؤال التالي: بالرغم من احتلال عسكري اميركي غير مسبوق في التاريخ لدولة عربية فهل استطاعت الولايات المتحدة فرض الحل المناسب لمصالحها في العراق بعد 5 سنوات دموية من الحرب والتدمير، الجواب بالطبع لا، وقد دخلت الحرب عامها السادس وكأنها بدأت من جديد، هذا دليل على عدم قدرة الولايات المتحدة في فرض الحلول، وعدم القدرة يعني العجز، والعجز بالنسبة الى دولة كونية اولى هو الفشل، ومن يستفيد من هذا الفشل؟ ان الحصيلة الاستراتيجية الرئيسية هي في تصاعد مستمر للنفوذ الإيراني ليس في العراق فحسب، بل يمتد الى جوار العراق وربما الى البقعة الاستراتيجية الفسيحة التي يتشكل منها العالم العربي، واسباب الفشل الاميركية كثيرة لعل اهمها، كما قلت سابقاً، ان لا حلفاء ثابتين لها في المنطقة.والمثال الثاني على الفشل الأميركي هو لبنان، فهل استطاعت الولايات المتحدة ان تفرض ارادتها على الساحة اللبنانية لإدارة المشهد السياسي اللبناني؟ الجواب: بالطبع لا، هي فشلت في الماضي، لكن فشلها الآن اقوى واكثر عمقاً، لان تصرفات الولايات المتحدة في الحالة اللبنانية هو ما يمكن اختصاره بجملة واحدة: راوح مكانك.ثم هل تستطيع الولايات المتحدة ان تفرض حلولاً دولية اخرى؟ نعم، لان القوى الدولية ليس بإمكانها ان تفرض الحلول، لذلك تتطلع الى الدور الاميركي، وتسير معه، تغطية لعجزها اولاً، ولانها لا ترغب في ان تدفع ثمن او اثمان معارك سياسية وغير سياسية تصبّ في النتيجة في المصلحة الاميركية الصرفة. من هنا استطيع ان اقول ان الولايات المتحدة تعاني الوحدة في اقسى درجاتها والسبب انها لم تتمكن من ادارة الازمات الدولية عندما تبوأت عرش الهيمنة على العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. وهناك مسألة يجب النظر اليها بدقة، ان تكلفة السياسة الاميركية المعلنة والمعروفة اعلامياً ورسمياً غير دقيقة، حتى هذه اللحظة لم يتغير شيء في ما يتعلق بضمان امدادات النفط، انظروا الى سعر برميل النفط الذي جاوز المئة دولار، ودعونا نقارن بين الاسعار الحالية وبين متوسط الاسعار قبل مغامرات بوش في العراق وافغانستان، ان تكلفة النفط العربي الذاهب الى الولايات المتحدة قد تضاعفت بصورة حمّلت وتحمّل الاقتصاد الاميركي اعباء لم تكن في حسبانه. وهكذا فإن اقتصاد الولايات المتحدة يسير الى الكساد، وليس في الافق حلول، بل هناك تجارب قد تنجح وقد لا تنجح، لكن خبراء الاقتصاد يؤكدون انها لن تنجح.نعود الى منطقة الشرق الاوسط لنسجل حالة مثيرة، ان حلفاء اميركا هنا يبتعدون عن التباهي الكامل بعلاقاتهم الاستراتيجية بواشنطن، بينما خصومها (سورية وايران مثلاً) يتباهون بعدائهم للسياسة الاميركية في كل مناسبة، وهذا دليل ضعف الولايات المتحدة وليس دليل قوة، في النتيجة فإن مقولة «لا تسقط شعرة من الرؤوس إلا بإذن الساكن سعيداً في البيت الابيض الاميركي» قد سقطت.• السؤال الثاني: هل السياسة الاميركية في العالم بشكل عام، وفي الشرق الاوسط بشكل خاص هي ردة فعل طبيعية لاحداث 11 سبتمبر، ام هو مخطط اميركي سبق احداث سبتمبر، وهو نتيجة لما يسمى بـ«إسلام فوبيا»، اي الخوف من الاسلام، وجاءت احداث 11 سبتمبر لتعطي الفرصة لتحقيق هذا المخطط؟- الجواب: يخطئ كل من يعتقد في العالم العربي ان صناعة السياسة الاميركية هي صناعة بعيدة المدى، في الحقيقة والواقع انها صناعة قصيرة المدى، فهناك اهداف مستمرة مثل حماية النفط وأمن اسرائيل وانشاء قواعد عسكرية لإزالة التهديدات لهذين الهدفين، ان تفسير سياسة بوش في ادارتيه الاولى والثانية هي ردة فعل على احداث 11 سبتمبر نتيجة للتداعيات الشديدة العمق التي احدثتها في المجتمع الأميركي، وكانت لتلك السياسة تداعيات عكسية في الداخل الاميركي إذ كان هناك اجراءات ضد الليبرالية بحيث اصبحت ادارة بوش تتنصت، ولا اقول تتجسس، على مواطنيها باسلوب شبيه بما كان يحدث في عهد الاتحاد السوفييتي، بالاضافة الى العديد من المخالفات الدستورية في اطار الحريات المدنية والعامة. اما ردة الفعل، بما يسمى بالاسلام فوبيا، ليست مدفوعة بكراهية للعرب ولا للمسلمين، بل مدفوعة بإحساس الدولة العظمى بتهديد وجودها او على الأقل دورها في العالم. الخطأ الذي وقعت فيه الولايات المتحدة في ممارسة رد الفعل هذا هو انها خلطت بين ممارسة القدرة العسكرية والدبلوماسية، فاستعانت بالقدرة العسكرية من دون ضوابط عقلانية الدبلوماسية. ان المحافظين الجدد وصلوا الى البيت الابيض حاملين مشروع الاطاحة بنظام صدام حسين فاستخدموا احداث 11 سبتمبر لتنفيذ مخططهم، ونجحوا في ذلك، لكنهم وقعوا فريسة الانهيار الكامل التي تفصل بين العقلانية وبين الاندفاع الغوغائي، ومازالوا مندفعين في هذا الاتجاه الخاطئ.• سؤال ذو شقين: أين يتوافق ويتعارض الدور المصري مع نظرة الولايات المتحدة في لبنان، والشق الثاني هو ان عدم الاستقرار في لبنان يشكل تهديداً على امن اسرائيل، ام العكس هو الصحيح؟- جواب: دعني ابدأ بالنقطة المتعلقة بعدم الاستقرار في لبنان وتداعياته على امن اسرائيل، وذلك من خلال النظرة الاميركية، ان القراءة الاميركية لأمن اسرائيل تعتمد على نقطتين: الاولى ضرورة وجود قوة حاكمة في لبنان وفلسطين، وسورية ليست على خلاف جوهري مع اسرائيل، وبمعنى اوضح فإن المطلوب عدم المجاهرة بالعداء لإسرائيل مثل الاردن ومصر، حيث تربطهما معاهدات سلام مع اسرائيل. ان الولايات المتحدة ترى ان مصلحة اسرائيل الامنية ان تدخل في علاقات باردة مع دول لا تضمر العداء لها، وذلك يتطلب تغيير سلوك النظام السوري والضغط على «حماس» و«حزب الله». والنقطة الثانية في القراءة الاميركية لأمن اسرائيل ضمان انفتاح عربي شامل على طريقة ما حصل في مؤتمر «انابوليس» إذ جلست الدول العربية واسرائيل حول طاولة مفاوضات مفتوحة مع العرب مما اوجد نوعاً من الانفتاح الإقليمي، وقد ساعد ذلك الى حد بعيد الحضور السعودي للمؤتمر بالرغم من ان موقف السعودية مازال متحفظاً الى الآن. وهناك معضلة للدور المصري الإقليمي تتجسد بتآكل الدور المصري في المجال العربي، فهذا الدور تآكل في السودان، ولا وجود له في العراق، كذلك تآكل في منظومة الخليج، وهو ضعيف في لبنان. اما في فلسطين فإنه يتنازع دوره مع آخرين اقوياء، وما يقلق الاميركيين وبالتالي الإسرائيليين ان يصل هذا التآكل الى الداخل المصري حيث يمكن ان يصبح عاملاً سلبياً لاستمرار النظام. * كاتب لبناني