وجهة نظر: نحن والـ أوبك الدافعان الحقيقيان لفاتورة أسعار النفط!
تؤثر أسعار النفط بالتأكيد في تكلفة إنتاج معظم السلع والخدمات، فالنفط مكون مهم من مكونات السلع والخدمات، وفي أبسط الحالات لا يتوقف تأثيره عند تكلفة النقل والتوزيع، وهي مكون أساسي من مكونات التكلفة الكلية، وإنما يمتد ليشمل ارتفاع تكلفة المحروقات على تنوعها وتكلفة الكهرباء والطاقة اللازمة لإدارة محرك الجرار في القطاع الزراعي، ومحرك الآلة في القطاع الصناعي، ومحرك السيارة والشاحنة والطائرة والناقلة البحرية في قطاع النقل والمواصلات، أضف إلى ذلك، أن النفط قد أصبح مصدرا لمنتجات وسيطة تدخل بوصفها لقائم في إنتاج سلسلة طويلة من المنتجات البتروكيماوية، يصل عددها إلى نحو 10 آلاف منتج.
لقد كان كساد الثمانينيات في الدول الصناعية، الذي ألقى بظلاله الثقيلة على الاقتصاد العالمي، من نتاج الزيادة الكبيرة في أسعار النفط الخام في النصف الأول من السبعينيات والسنوات الأولى من الثمانينيات، واليوم يعاود سعر النفط الخام صعوده القياسي، الذي يرجح بعض المحللين وصوله إلى 110 دولارات خلال أيام، و150 دولارا قبل نهاية العام الجاري. وإذا كانت الدول الصناعية، وهي المستهلك الرئيسي للطاقة في العالم، قد تمكنت بعد أزمة السبعينيات من تحسين كفاءة استهلاكها للنفط ومنتجاته في العقود الماضية، لتقلل من أهمية النفط في تكوين الناتج المحلي الإجمالي لها، فان الدول المستهلكة النامية المتعطشة إلى النفط من أجل المحافظة على زخم نمو اقتصاداتها الوطنية، لا تتمتع بذات الكفاءة في استهلاك الطاقة، ومن ثم فإن ارتفاع سعر الخام من شأنه أن يشكل أحد أهم معوقات النمو في البلدان النامية والفقيرة، كما يضاعف من الضغط على هوامش أرباح الشركات ويقلص من دخلها. وإذا كانت اقتصادات الدول الصناعية قد بدأت بالتأثر سلبا بأسعار النفط العالية، فإن أثر هذه الأسعار سرعان ما سيظهر في الاقتصادين الناميين العملاقين المتعطشين إلى النفط، أي الهند والصين، ومعهما جملة الاقتصادات النامية الأخرى، ما سيعني دخول العالم مرحلة كساد عميقة قد تمتد طوال العقد الثاني من القرن الجاري. ولاشك أن وضع الاقتصادات الصناعية سيكون أفضل حالا من الاقتصادات النامية، في مدى التأثر بأسعار النفط العالية، بسبب ما أشرت إليه أعلاه من ارتفاع درجة كفاءة استهلاك الطاقة في تلك الدول، وسيعمل كل ذلك على توسعة وزيادة فجوة التخلف بين البلدان الصناعية والنامية. ولاشك أن من شأن كل ذلك، أن يضع دول الـ «أوبك» مجتمعة في وضع مالي واقتصادي لا تُحسد عليه، ولست هنا في معرض توجيه اللوم إلى وزراء الـ «أوبك» الذين قرروا المحافظة على سقف الإنتاج السابق، لأني أعتقد أن المشكلة الراهنة ليست مشكلة نقص في المعروض من النفط، وإنما مشكلة تتعلق بآليات تسويق النفط، حيث إن المضاربة هي السمة الغالبة على هذه الآليات. إن عددا لا حصر له من المضاربين يجني في كل يوم قدرا مهولا من الأرباح، من جراء مواصلة دفع أسعار الخام نحو الشمال. وإذا كانت أنظمة المتاجرة بعقود النفط في سوق «نايمكس» تسمح لمضارب في 3 يناير الماضي أن يعرض أكثر من 100 دولار أميركي للبرميل، الذي كان سعره السابق أقل من 96 دولارا، في صفقة مضاربة لشراء كمية متواضعة لا تزيد على 1000 برميل من النفط الخام، وهذه اقل كمية يمكن تداولها في عقود «نايمكس»، بهدف دفع الأسعار إلى الارتفاع، فإن ذلك يظهر هشاشة القاعدة التي تستند إليها أسعار النفط ومعها مستقبل النمو في الاقتصاد العالمي. إنها فاتورة أرباح المضاربة «المجزية»، أما الدافع الحقيقي لهذه الفاتورة «الباهظة» في نهاية المطاف، فهو أنت وأنا والـ «أوبك».