ما قل ودل: قانون التجمعات... وربع قرن من العوار الدستوري
ما ينبغي التنبيه إليه هو أن من أولى واجبات مجلس الأمة، عند مراجعة المراسيم بقوانين الصادرة في غياب البرلمان هو التحقق من عدم مخالفتها لأحكام الدستور،
لا يعلم المواطن لماذا زاغ مجلس أمة 81 ببصره عن العوار الدستوري الذي شاب المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن التجمعات العامة، عندما أقره في اجتماعه المعقود بتاريخ 17/11/1981، ولا يعلم المواطن أسباب غياب رقابة المجلس الدستورية عليه، فقد تمت مناقشته في جلسة سرية، لم تدون فيها المناقشات التي دارت حول المرسوم بقانون، قبل إقراره.*قانون غير دستوري لأكثر من ربع قرن:وهو العوار الذي كشف عنه- بعد أكثر من ربع قرن- حكم المحكمة الدستورية الصادر في أول مايو سنة 2006، أي أن قانوناً غير دستوري بقي نافذاً لأكثر من ربع قرن.وظل هذا العوار الدستوري في هذا القانون ثغرة في الشرعية، إلى أن جرى اجتماع من دون ترخيص بدائرة مخفري الظهر والأندلس بمحافظة الأحمدي بتاريخ 20/3/2004، قدم بسببه من أعلن عن هذا الاجتماع ونظمه ورعاه إلى المحاكمة الجزائية، فدفع أمام المحكمة بعدم دستورية المادتين (4 و16) من هذا القانون واللتين تتطلبان الحصول على ترخيص لعقد هذا الاجتماع، ورأت المحكمة بثاقب نظرها جدية الدفع فأحالته إلى المحكمة الدستورية، فكان قضاؤها الذي قضت به، ولو تغير وجهة نظر المحكمة الجزائية في جدية الدفع المقدم أمامها، لبقي قانون التجمعات العامة نافذاً ربما لربع قرن آخر.ولم يكن مجلس 1981 بالمجلس الذي يتهاون في تطبيق أحكام الدستور، لو تنبه إلى العوار الدستوري الذي شاب المرسوم بقانون التجمعات العامة لما أقره، فهو المجلس الذي تصدى للاقتراح بتنقيح الدستور والذي كان يتناول بالتعديل نصوص 17 مادة من مواد الدستور، هي أساس النظام الديموقراطي وقاعدته الصلبة التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات مع تعاونها والذي يعتبر الركيزة الأساسية للدولة القانونية ولمبدأ سيادة القانون والضمانة الحقيقة لقيام حكم ديموقراطي سليم، الأمر الذي أدى إلى قيام الحكومة بسحب الاقتراح بتنقيح الدستور.*الرقابة الدستورية أولى واجبات المجلس:ومع ذلك فإن ما ينبغي التنبيه إليه هو أن من أولى واجبات مجلس الأمة، عند مراجعة المراسيم بقوانين الصادرة في غياب البرلمان هو التحقق من عدم مخالفتها لأحكام الدستور، باعتباره شرطاً ألزمت به المادة (71) من الدستور، السلطة التنفيذية عند إصدار المراسيم بقوانين، وهو شرط وإن كان مفترضاً أولياً في ممارسة أي سلطة لصلاحياتها، إلا أن النص عليه صراحة في المادة (71)، للتأكيد على أن قيام حالة الضرورة وإن برر إسباغ قوة القانون على مراسيم تصدرها السلطة التنفيذية في غياب البرلمان، إلا أنه لا يبرر مخالفة أحكام الدستور، مثلما يبرر قيام الأحكام العرفية تعطيل بعض أحكام الدستور، طبقاً للمادة (181) من الدستور.*المحكمة الدستورية لا تنفرد بالرقابة الدستورية:ولا يجوز في تبرير غياب الرقابة الدستورية لمجلس الأمة على قانون التجمعات العامة، الاستناد إلى المادة الأولى من قانون إنشاء المحكمة الدستورية التي يعهد لها وحدها دون غيرها بتفسير الدستور وبالفصل في دستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح، بمقولة إنفراد المحكمة بهذه الرقابة، لأن هذه المادة تتوجه بخطابها إلى السلطة القضائية وحدها، فلا يجوز التحدي بهذا النص في مقام آخر، هو الرقابة البرلمانية، لأن من أولى واجبات مجلس الأمة عند مراجعة المراسيم بقوانين هو التحقق من اتفاقها وأحكام الدستور، لأنه لا يجوز أن نطالب مجلس الأمة بأن يشارك في مخالفة الدستور، وأن يقر مرسوماً بقانون ثبت مخالفته لأحكام الدستور. وهو ما استقر عليه الرأي في تفسير المادة الأولى من قانون المحكمة الدستورية سالفة الذكر، عندما قدمت في 2/1/2002 لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الأمة تقريرها حول الاستجواب الموجه إلى السيد/ أحمد باقر وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، والذي انتهت فيه إلى أن المادة سالفة الذكر فيما نصت عليه من اختصاص هذه المحكمة وحدها دون غيرها بتفسير نصوص الدستور، لا تحجب أي سلطة دستورية أخرى عن حقها في هذا التفسير عند ممارستها صلاحياتها الدستورية، وهو التقرير الذي وافق عليه المجلس في جلسته المعقودة بتاريخ 7/1/2002.*ممارسات مجلس الأمة في الرقابة الدستورية:وقد بسط مجلس الأمة في جلسته المعقودة بتاريخ 19/1/1993 ، في الفصل التشريعي السابع رقابته على دستورية المراسيم بقوانين عندما رفض المجلس إقرار المراسيم بقوانين الصادرة خلال فترة تعطيل الحياة النيابية، التي قيدت حرية الصحافة، لمخالفتها أحكام الدستور، الذي كفل هذه الحرية، مثلما رفض مجلس 81 إقرار المرسوم بقانون بإضافة المادة (35 مكرر) إلى قانون المطبوعات الصادر أثناء تعطيل الحياة البرلمانية، لأنها تحد من حرية الصحافة التي كفلها الدستور.ولم يوافق مجلس الأمة في الفصل التشريعي السابع أيضاً على المرسوم بقانون رقم (6) لسنة 1988 في شأن الوثائق السرية للدولة لمخالفته أحكام الدستور التي نصت على أن نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، بما يفرضه الأخذ بالنظام الديموقراطي من وجوب كشف الحقائق أمام الشعب.واعتبر مجلس الأمة في الفصل المذكور مساساً باستغلال القضاء وعدواناً عليه القانون رقم (54) لسنة 1987 فيما تضمنه من إضافة مادة جديدة إلى قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية تعطي وزير الداخلية حق إبعاد الأجنبي وأسرته أو توقيفه، بالمخالفة لحكم جزائي بإيداعه مصحة أو مؤسسة رعاية اجتماعية.كما لم يقر مجلس الأمة المرسوم بقانون رقم (2) لسنة 1989 لمساسه بحق التقاضي الذي كفله الدستور، فيما تضمنه من حرمان الموظف الذي يعزل بقرار من مجلس الوزراء من حق الطعن على هذا القرار.ورفض مجلس الأمة كذلك إقرار جميع المراسيم بقوانين الخاصة بالمجلس الوطني لمخالفتها الدستور، باعتبار أن المجلس الوطني كان بديلاً غير شرعي وغير دستوري لمجلس الأمة.*روح الأسرة كانت الضمان لحماية الشرعية:وهو ما يطرح سؤالاً مهماً: كيف استمر تطبيق هذا القانون غير الدستوري لمدة تزيد على ربع قرن، رغم مساسه بحقوق دستورية هي حق الاجتماع وحرية التعبير، وقد جعلها الدستور خطاً أحمر لا يجوز المساس به، حتى بتعديل الدستور، فيما نصت عليه المادة (175) من أن مبادئ الحرية والمساواة لا يجوز اقتراح تنقيحها إلا لمزيد من ضمانات الحرية والمساواة.ولا أجد في الإجابة على هذا السؤال، سوى ما رددته المذكرة التفسيرية للدستور، وهي تستهل تصويرها لنظام الحكم، عندما أشارت إلى روح الأسرة التي تربط أفراد هذا المجتمع حكاماً ومحكومين والتي حالت دون تطبيق نصوص قانون التجمعات الذي شابه عوار دستوري خلال هذه المدة الطويلة بآلية عمياء، تكون حرثاً في البحر، وعدولاً عن القيم الرفيعة التي احتضنها الدستور وأعلاها على أي قيمة أخرى، والتي تتمثل في الحرية والعدل والمساواة كمقومات المجتمع الأساسية، التي أصبحت منظومة واحدة متجددة، قاعدتها ديموقراطية أكثر عمقاً وامتداداً، وشريانها حرية التعبير عن الآراء على اختلاف توجهاتها وأطيافها.