وديعة أولمرت!!

نشر في 27-04-2008
آخر تحديث 27-04-2008 | 00:00
 صالح القلاب

المعروف أن الإسرائيليين، وبالتالي الأميركيون، يريدون كشرط لاستئناف عملية السلام مع سورية أن يفك السوريون علاقاتهم بإيران، وأن يوقفوا تدخلهم في لبنان، ويغلقوا مقار ومكاتب بعض التنظيمات الفلسطينية، إضافة إلى بعض الإجراءات الأمنية والعسكرية في الجولان وشروط مائية تحدثت عنها إسرائيل أكثر من مرة. فهل سورية مستعدة لمثل هذه الاشتراطات وغيرها مما قد يعنّ مستقبلاً؟

إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قد أكد فعلاً لنظيره الوسيط التركي رجب طيب أردوغان أنه مستعدٌّ لإعادة الجولان كله إلى سورية مقابل توقيع اتفاقية سلام معها، فإن خيارات دمشق ستكون في غاية الصعوبة فهي؛ إمَّا أن تقبل بهذا العرض السَّخي وتتخلى عن حلفها مع إيران وتبيع هذا التخلي للأميركيين والإسرائيليين و«عرب الاعتدال»، وإما أن ترفض وتغلب التزامها بـ«فسطاط المقاومة والممانعة» على استعادة هذا الجزء العزيز من الوطن الذي اُحتل في عام 1967.

لا شيء مؤكد بالنسبة لـ«وديعة أولمرت» هذه، لكن مَن يعرف الخريطة السياسية الإسرائيلية، حيث هناك انتخابات حاسمة في العام المقبل 2009 وعشيتها تشتد المزايدات وتحتدم، لابد أن يستبعد أن يتقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي، المحاصر بضغط الليكود وبنيامين نتنياهو ووزيرة خارجيته تسيبـي ليفني ووزير دفاعــه إيهود باراك، بمثل هذا التبرع «مجاناً» ومن دون أي شروط مجزية.

كان هناك شيء اسمه «وديعة رابين»، والمقصود هو رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين الذي اغتاله الإسرائيليون المتطرفون وذهب نسياً منسياً هو ووديعته، التي بقي السوريون يتمسكون بها ويعتبرونها شرطهم الذي لن يتخلوا عنه لاستئناف عملية السلام «من حيث انتهت»!! والغريب أن هذه الوديعة، التي لم تعد شرطاً للعودة إلى التفاوض مجدداً لم تُسجل كوثيقة رسمية، وأن كل ما في الأمر أن صاحبها الذي تنسب إليه قد نُقل عنه كلاماً قيل إنه قاله للأميركيين، وإن الأميركيين نقلوه مشفوعاً بـ«ضمانتهم» إلى دمشق.

الآن أبدى أولمرت استعداداً، كما قالت وزيرة شؤون المهاجرين السورية بثينة شعبان، لانسحاب «كامل» من هضبة الجولان... والسؤال هنا هو: هل يا ترى أن هذا الاستعداد الذي نقله إلى دمشق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد جاء من دون أي شروط إسرائيلية؟!

المعروف أن الإسرائيليين، وبالتالي الأميركيون، يريدون كشرط لاستئناف عملية السلام مع سورية أن يفك السوريون علاقاتهم بإيران، وأن يوقفوا تدخلهم في لبنان، ويغلقوا مقار ومكاتب بعض التنظيمات الفلسطينية ومن بينها «حماس» التي لها مقار ومكاتب في دمشق. هذا بالإضافة إلى بعض الإجراءات الأمنية والعسكرية في الجولان وفي الخطوط الخلفية لهضبة الجولان، علاوة على شروط مائية تحدثت عنها إسرائيل أكثر من مرة.

فهل سورية مستعدة لهذا، ولغيره مما ستكشف عنه الأيام القادمة أيضاً؟!

لاشك في أن سورية تريد السلام مع إسرائيل، وهي سعت إليه في السابق ولاتزال تسعى إليه، لكن مما لاشك فيه أيضاً أنها تعتبر أن حلفها مع إيران، على المدى القريب والبعيد، أهم كثيراً من استعادة هضبة الجولان المحتلة منذ أكثر من أربعين عاماً. والمبرر أن هذا الحلف هو الذي يضمن لها الدور الإقليمي الذي تتطلع إليه وترى أنها تستحقه، وهو الذي، باسم «المواجهة والممانعة» يجعل نظام البعث قادراً على تأجيل استحقاق الديموقراطية والحريات العامة وتأجيل استحقاق الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يطالب بها الشعب السوري.

في كل الأحوال، إن كل شيء جائزٌ، لكن يجب عدم توقع تطورات وتحولات «دراماتيكية» قريبة على هذا الصعيد، فالأمور أكثر تعقيداً مما يتصور بعضهم والمسألة مرتبطة بالصراعات المحتدمة في المنطقة كلها.

* كاتب وسياسي أردني

back to top