Ad

جوهر فكرة الحرب العالمية الرابعة يقوم على ضرورة إلحاق الهزيمة بالإسلام، خصوصاً أنها تفترض: أن الولايات المتحدة في حالة حرب دائمة إلى حين استكمال القضاء على الإرهاب والدول الراعية له، أو الدول المارقة والمنبوذة.

إذا اعتبرنا أن الحرب العالمية الأولى ابتدأت عام 1914 وانتهت عام 1919 بإعلان عصبة الأمم، وأن الحرب العالمية الثانية دامت ست سنوات 1939 - 1945 وتأسست الأمم المتحدة في أعقابها، فإن الحرب العالمية الثالثة كانت من دون معارك عسكرية، بل إن الأيديولوجيا والدعاية والاقتصاد والحرب النفسية من أدواتها الأساسية التي طبعت كل مرحلة الحرب الباردة، وخصوصاً منذ صيحة ونستون تشرشل ضد الشيوعية عام 1947 حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، إذ انتصرت الولايات المتحدة على غريمها وعدوّها الاتحاد السوفييتي بعد فترة انفراج ووفاق قلقة لم تدم طويلاً.

وكان تداعي جدار برلين إيذاناً بإعلان انهيار الكتلة الاشتراكية في أوروبا الشرقية وتفكك الاتحاد السوفييتي في ما بعد، رغم أن موجة التغيير ورياح التحوّل الديموقراطي انكسرت عند شواطئ البحر المتوسط لأسباب تتعلق بمصالح القوى المتنفّذة في العلاقات الدولية، فمتى ابتدأت الحرب العالمية الرابعة؟

كان إعلان ظفر الليبرالية نظاماً سياسياً واقتصادياً يعني وفقاً لمنطق المحافظين الجدد، أن على العالم أن يسلّم بالعصر الأميركي، ولا بدّ هنا من شحذ جميع الأسلحة السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والفكرية والنفسية ضد الأعداء الجدد وخصوصا الإسلام، وقد تعزز هذا التوّجه على نحو خاص بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية عام 2001.

قد يعتقد بعضهم أن مجموعة المحافظين الجدد تشكلّت في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وإن كان دورهم المهيمن قد برز في هذه الفترة بالذات، بيد أنها كطغمة فكرية وسياسية كان لها شأن في عهد الرئيس الأميركي الديموقراطي جيمي كارتر، خصوصاً لجهة معارضتها لسياسته التي كانت تميل إلى الانفراج الدولي بدلاً من زيادة حدّة التوتر، لكن حظوتهم الفعلية جاءت في عهد الرئيس رونالد ريغان وما بعده!

ويؤمن المحافظون الجدد بقوة الولايات المتحدة ودورها في فرض خياراتها بما فيها نمط الحياة الأميركي، وفي الوقت نفسه يزدرون دور المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة، ويستندون في أفكارهم إلى هلامية دينية وتفسيرات ضيقة لما ورد في الكتاب المقدس.

ويعتقد المحافظون الجدد و«تروست» أدمغته في نظرية «الفوضى الخلاّقة» استناداً إلى نظرية هنري كيسنجر منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، التي تقوم على التفكيك وإعادة البناء، باستبدال الدول القائمة بكيانات أو دويلات أصغر في محاولة لدفعها إلى الاحتراب تمهيداً للاستحواذ على ثرواتها وفرض الهيمنة عليها.

وقد ناقش نظرية الحرب العالمية الرابعة مجموعة من العقول والمنظرين الاستراتيجيين من المحافظين الجدد وصانعي السياسة بحضور بول وولفوفيتز (نائب وزير الدفاع الأسبق) وجيمس وولسي وإليوت كوهين، عضوَي مجلس الدفاع، وبرعاية من مؤسستين تعتبران معاديتين للإسلام هما: لجنة الخطر الداهم ومؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات.

وجوهر فكرة الحرب العالمية الرابعة تقوم على ضرورة إلحاق الهزيمة بالإسلام، خصوصاً أنها تفترض: أن الولايات المتحدة في حالة حرب دائمة إلى حين استكمال القضاء على الإرهاب والدول الراعية له، أو الدول المارقة والمنبوذة. وكانت واشنطن قد رشحت في البداية سبع دول كجزء من معسكر الشر هي: أفغانستان وتنظيم «القاعدة»، والعراق وأسلحة الدمار الشامل، إيران ومفاعلها النووي، كوريا ومفاعلها النووي، سورية ورعايتها للإرهاب الفلسطيني، السودان بأصوليته الإسلامية ودارفور، كوبا وشيوعية كاسترو كخطر في أميركا اللاتينية. وحددت لهذه الحرب 10 سنوات، وكان فريق الصقور يتكوّن من رامسفيلد وتشيني وبول وولفوفيتز وريشارد بيرل وغيرهم من معاوني الرئيس بوش في تبنّي هذه السياسة، كما يذكر كتاب «حالة إنكار» لبوب وود وورد.

إن دور نخبة العقول بمن فيهم من نظّر لنهاية التاريخ أو صدام الحضارات، أي فوكوياما أو هنتينغتون وصقور السياسة، يُذَكّر بالاهتمام الخاص بمجمّع العقول في موازاة المجتمع الصناعي- الحربي في الستينيات من القرن الماضي، فقد اهتم الرئيس جون كندي بمراكز الأبحاث، إذ عمل كثير من ممثلي تلك المراكز في ما سمي «تروست الأدمغة» المحيط به، وتعاظم دور هذه المراكز في السبعينيات، إذ شهدت ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسة الصناعية-العسكرية، التي استخدمت هذه الأدمغة مع آخر مبتكرات العلم والتكنولوجيا في ثلاثة اتجاهات:

الأول: أيديولوجي تخريبي ضد عدوّهم المعسكر الاشتراكي؛ والثاني: دعائي بتطوير منظومة دعائية ضخمة لا يمكن مضاهاتها بالتأثير على السوق العالمي؛ والثالث: اقتصادي، وهو الذي صاغه روستو منذ الستينيات تحت عنوان «نظرية البيان اللاشيوعي» إذ لا يمكن لعدوّهم تحقيق مرحلة الاستهلاك الاجتماعي العالي، ولذلك لن يكون أمامها سوى تغيير أنظمتها الاجتماعية انتقالاً الى أكثر المراحل رقياً (من التطور الاقتصادي).

وأصبح من الأمور المألوفة انتقال أبرز العاملين في «تروست الأدمغة» ومراكز الأبحاث إلى إدارة الدولة، واستخدام نتائج أبحاثهم في الصراع الدولي، وقد لمع اسم كيسنجر، وفي ما بعد بريجنسكي كأهم منظرين للسياسة الأميركية في الستينيات والسبعينيات.

الحرب العالمية الرابعة هي حرب المبادرة الاستباقية ضد خطر وشيك الوقوع، بل يمكن أيضا شن حرب ضد خطر محتمل، وذلك طبقاً لقرارات مجلس الأمن 1368 و1373 و1390 التي صدرت بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية!! لكن تلك الحرب لم تحقق النصر حتى الآن، بل يبدو أنها لا تستطيع تحقيقه، بما ينذر بعواقب وخيمة ليس على الجهات الداعية إليها فحسب، بل على شعوب وأمم راحت ضحية تلك السياسة المغامرة أيضاً، خصوصاً أن بؤر الإرهاب اتسعت وأسبابه تعمقت ومخاطره انتشرت، فإلى أين سيسير بالعالم «تروست الأدمغة» وسياسات المحافظين الجدد؟!

* كاتب ومفكر عربي