Ad

بعد حرب أكتوبر عام 1973 اتجه الإسرائيليون الى نظرية «الشريط العازل»، الذي يقيهم شرور الضربة المفاجئة، كما تم في «يوم الغفران»، ولذلك فإنهم أصروا خلال مفاوضات «كامب ديفيد»، وخلال مفاوضات سويسرا مع السوريين على أن تكون هناك منطقتان عازلتان ترابط فيهما قوات دولية وقوات متعددة الجنسيات: الأولى في الجولان، والثانية في سيناء.

الجانب الأهم الذي جرى إغفاله في تقرير لجنة «فينوغراد»، بالنسبة للحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، هو نظرية الأمن الإسرائيلية التي كان «الآباء المؤسسون» بزعامة ديفيد بنغوريون قد اتفقوا عليها، قبل الإعلان عن قيام دولتهم، واستمر من تعاقبوا على مواقع المسؤولية بعدهم على تطوير هذه النظرية وفقاً للتطورات العسكرية والديموغرافية وأيضاً السياسية في هذه المنطقة، التي شهدت تقلبات كثيرة خلال الستين عاماً الأخيرة.

كان ديفيد بنغوريون قد اعتمد القبضة الحديدية «الطائلة» والجيش الذي لا يقهر لضمان بقاء الدولة الناشئة، والحفاظ على أمنها، ولذلك فقد بادر الإسرائيليون الى ما يسمى «الضربة الاستباقية» في كل الحروب التي خاضوها ضد العرب، باستثناء حرب أكتوبر عام 1973، وقد كسبوا هذه الحروب كلها.

ولضمان عنصر المبادرة وتوجيه الضربة الاستباقية في اللحظة المناسبة تماماً، فقد أنشأ ديفيد بنغوريون، وهو ينشىء الدولة الإسرائيلية، جهازاً استخبارياً متفوقاً أدى أدواراً مؤثرة وفاعلة على مدى تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي، كما باشر، وعلى الفور، في إنشاء سلاح جو فعال، اعتمد خلال حرب يونيو وقبلها على الإمكانات الفرنسية، وبقيت له السيطرة الكاملة على مسرح العمليات منذ الحرب الأولى في عام 1948 وحتى الحرب الأخيرة في العام الماضي.

بعد حرب أكتوبر عام 1973 اتجه الإسرائيليون الى نظرية «الشريط العازل»، الذي يقيهم شرور الضربة المفاجئة، كما تم في «يوم الغفران»، ولذلك فإنهم أصروا خلال مفاوضات «كامب ديفيد»، وخلال مفاوضات سويسرا مع السوريين على أن تكون هناك منطقتان عازلتان ترابط فيهما قوات دولية وقوات متعددة الجنسيات: الأولى في الجولان، والثانية في سيناء.. أما الثالثة فهي التي تم إنشاؤها بالاحتلال وبالقوة في الجنوب اللبناني أولاً في عام 1978، ثم في غزو العام 1982 وبعد ذلك بتركيز قوات دولية على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية، كنتيجة من نتائج الحرب الأخيرة.

لقد فشلت نظرية الذراع الطويلة والجيش الذي لايقهر والقبضة الحديدية خلال كل حروب ومناوشات الستين عاماً الماضية، ولقد ثبت خلال الحرب الأخيرة ومن خلال صواريخ غزة أيضاً، رغم أنها لاتزال دخانية وغير مـؤثرة، فشل نظرية الأشرطة العازلة.. وهذا كان يجب ان تأخذه لجنة «فينوغراد» بعين الاعتبار، خاصة أن حروب هذا الزمن أصبحت حروب الصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى، وكان يجب أن تدرك هذه اللجنة ويدرك الإسرائيليون أن لاضمان لمستقبل دولتهم سوى أن تستغل الفرصة الحالية وتقبل بمبادرة السلام العربية وتعترف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة لتصبح جـزءاً من الشرق الأوسط وتتخلص من وضعية الجسم الغريب في هذه المنطقة.

كل نظريات الأمن الإسرائيلية السابقة غدت، بعد تطور أسلحة وأدوات الحروب، غير صالحة وغير قادرة على توفير الحماية والأمن للإسرائيليين، ولذلك فقد كان على لجنة «فينوغراد» قبل أن تبحث عن «تقصير» الجنرالات والساسة خلال الحرب الأخيرة أن تبحث عن نظرية أمنية جديدة، وأن توصي بالتعاطي إيجابياً مع مبادرة السلام العــربية لأن مثل هذه النظرية الأمنية لاتوجد إلا في هذه المبادرة.