Ad

حكومات المنطقة عندما تظن أنها تعالج ظاهرة التطرف بلجوئها إلى المزيد من التشتت والتطرف، فإنها إنما تكون قد وضعت البذرة الأكيدة لمزيد من التطرف والاتجاه نحو العدم والفناء.

في تصريح أخير للأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي أعلن إفشال السلطات الأمنية السعودية أكثر من 180 عملية إرهابية، لافتا إلى أنه لو «أُنجز 30 في المئة من العمليات الإرهابية لكانت مأساة كبيرة للوطن ومقدراته». وقد وصف الأمير نايف الإرهابيين بـ«الفئة الضالة ولا يقلون، بل يزيدون، على الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيجب أن نسميهم بالخوارج» وفي المقابل أكد أن «الجهد الأمني لا يكفي من دون جهد فكري سليم، وأن الجهد الفكري لم يصل إلى المستوى المطلوب لمنع وصول الأفكار الشاذة للشباب، وتنقية الأفكار الدخيلة على الإسلام» انتهى كلام الأمير نايف.

ويبدو ان تلك العمليات لن تنتهي حتى مع وصول الجهد الفكري المناهض لتوجهات «الفئة الضالة» أو «الخوارج» كما وصفهم الأمير نايف. فالمسألة حتى إن واكبها جهد فكري فهي بحاجة إلى نهج إصلاحي أكثر شمولية ودعم قوى وتيارات الإصلاح المعتدلة.

ولعلنا عندما بدأنا سلسلة مقالاتنا عن جهيمان العتيبي وحادثة حصار الحرم في 1979، إنما كنا نهدف إلى التحذير من أن مسلسل العنف والتطرف مستمر ومتشابك ومعقد وبحاجة إلى منظور أكثر شمولية، بل أصبحت على طريقة «حركة تلد أخرى»، بات لزاماً علينا أن نستذكر ما حدث في سياقه التاريخي وكيف أصبحنا اليوم نعيش في وسط بحر متلاطم من التطرف والمتطرفين جعلنا نشعر كعرب وكمسلمين، وكأننا قطط حوصرت في زاوية فلم يعد لها خيار إلا الهجوم، وأصبحنا نرى كل «صيحة علينا» بأي عمود صحفي تافه في صحيفة غربية أو أي مقولة عابرة تجعلنا نستنفر تحسباً لمؤامرة للقضاء علينا.

ذهبت «الجماعة السلفية المحتسبة» وذهب جهيمان، ولكن خرج بديل عنهما ما هو أشد وأكثر قسوة وأقدر على التدمير. وكان سبباً مؤكداً من أسباب ذلك قصور حكومات المنطقة عن إدراك الظاهرة أو فلنقل عدم قدرتها على طرح بدائل شمولية للإصلاح.

ولعل الصديق فرانسوا لاكروا في بحثه الأخير اتجه هذا الاتجاه بصورة ملحوظة، حيث أكد أن تيار الصحوة في السبعينيات، الذي كان تياراً معتدلاً معارضاً لتيار الرفض والذي مثله جهيمان، أخذ شيئاً فشيئاً يتحول إلى تيار رافض عنيف، وأن مكونات مبعثرة من تيار الصحوة السابق هو الذي يقود حركة العنف والإرهاب.

وحيث أن الشيء بالشيء يذكر، فإنه من المفيد تصحيح معلومتين وردتا سواء في دراسة لاكروا أو في بعض الكتابات المتداولة عن موضوع جهيمان، وهما أن الدكتور عبدالله النفيسي كان عضواً في «الجماعة السلفية المحتسبة»، وهو غير صحيح. أما الأخرى فهي في تقييم طباعة مطبعة «الطليعة» لإحدى رسائل جهيمان، وهي مسألة تمت من دون علم من أصحاب «الطليعة» بفحوى الرسالة أو من وراءها، حيث بالغ البعض في تأويلها.

إلا أن الأهم في ختامنا سلسلة مقالات عن حادثة الحرم المكي وحركة جهيمان هو كيفية المعالجة، وهي معالجة ما زالت تعاني قصوراً شديداً، وبحاجة إلى المزيد من التبصير وإلا فإننا سائرون إلى أوضاع أكثر شدة.

ولعله بات واضحاً أن حكومات المنطقة عندما تظن أنها تعالج ظاهرة التطرف بلجوئها هي الى المزيد من التشتت والتطرف، فإنها إنما تكون قد وضعت البذرة الأكيدة لمزيد من التطرف والاتجاه نحو العدم والفناء، بل إنها في اتجاهها المتطرف -أي الحكومات- أنما تدفع حتى الجماعات الإسلامية المعتدلة إلى مزيد من التطرف بدلا من استمرارها في خطها الوسطي المعتدل.

وسيبقى في المسألة الكثير من الأخذ والرد ونقاشها لن يُغلق... ونسأل الله العفو والعافية