في شهر ديسمبر عام 1958، انطلق مشروع ثقافي كويتي عربي، خُطط له أن يكون واحداً من أهم المشاريع التنويرية العربية وأنجحها، وكُتب له أن يقدم، ولم يزل، وجوهاً مشرقة من وجوه الفكر والثقافة والفن العربي، وأن يلعب دوراً غير مسبوق في ربط العربي بشقيقه العربي فكرياً وثقافياً واجتماعياً، ويطلع كل منهما على بيئة أخيه وعالمه، على الضفة الأخرى، أينما كانت تلك الضفة، وحيثما كان ذلك الأخ.
انطلق مشروع مجلة "العربي” من الكويت قبل أن تنال استقلالها، مع ما يحمل العنوان من دلالة انتماء ووصل واتصال، وليشكل منارة ثقافية عربية، يشرُف بها الكويت والكويتيون.إن الدور الذي تلعبه مجلة "العربي” بوصفها مجلة ثقافية جامعة من جهة، وبوصفها أكثر المجلات الشهرية العربية توزيعاً على الإطلاق من جهة ثانية، كونها توزع بالمتوسط 120000 عدد شهرياً، فضلاً عن كونها مجلة أسرية تُقرأ بواقع ثلاثة أفراد مما يعني معناه أنها تصل إلى 360000 قارئ عربي، إضافة إلى أي قارئ ينطق بحرف الضاد، كل ذلك يجعل من "العربي” حالة ومشروعاً ثقافياً متفرداً، وتبعاً لذلك ربما وجب النظر إلى مجلة "العربي” بوصفها أحد أهم المرتكزات الثقافية المتبقية للمحافظة على نشر اللغة العربية وربط العربي بالعربي، وسط تيارات متلاطمة تتبنى اللهجات المحلية، ووسط انتشار ونمو مطردين للغة الإنكليزية، خاصة أن النطق بلغة أجنبية يعني التفكير بأسلوبها والإطلاع على آدابها، وبالتالي الابتعاد والانقطاع عن التفكير باللغة والفكر العربيين.إن أقطار العالم العربي، ربما تعيش واحدة من أسوأ فتراتها التاريخية، فترة غلب عليها التشرذم والاحتراب والدم والقتل بين أبناء الوطن الواحد. فترة توارى فيها صوت الفكر والعقل والحكمة وعلا فيها صوت البغضاء والعنف الأعمى. فترة انصرف كل قطر فيها لقضاياه ونزاعاته وحروبه الداخلية، وصار كل قطر نهباً لخلافات جماعات متعصبة لا ترى إلا رأيها، ولا تسمع إلا صوت قناعاتها، ولا تؤمن إلا بنفي الآخر طريقاً لوصولها إلى مآربها. إنها فترة صار الحلم بوطن عربي موحد حلماً بعيد المنال إن لم يكن مستحيلاً، وصار الأمل بوطن عربي يقف على قدم المساواة إلى جانب أي تجمع دولي آخر أملاً لا رجاء فيه. وفي ظل هذا الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي المؤسف لا يبقى لنا إلا اللغة عاملاً حياً ونابضاً نلتف من حوله.إن اللغة العربية غدت وحدها الجسر الذي يعبر عليه العربي إلى أخيه، وبواسطة اللغة، أدباً وفناً.إن مجلة "العربي”، إلى جانب إصدارات عربية أخرى، تمثل رسول سلام ومحبة بين قراء العربية، و”العربي” وإصدارات مماثلة هن مشاعل نور في زمن الظلمة والظلم، و”العربي” وأخواتها يقدمن طيف الأمل المتبقي للمواطن العربي بانبعاث وطن عربي كبير وجميل وآمن يمتد من المحيط إلى الخليج. وهل لنا أقل من الحلم ؟
توابل
“العربي” المنارة والحلم
02-06-2007