ما قل ودل: الاستجواب وقضايا دستورية

نشر في 12-11-2007
آخر تحديث 12-11-2007 | 00:00
 المستشار شفيق إمام

إن كان حق الوزير في الرد، هو حق نصّت عليه اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، فإنه حق مستمد من حقوق الحريات العامة والحقوق الأساسية، وهو حق الدفاع، بل إن بعضهم يرقى بحق الدفاع إلى اعتباره أصل الحريات جميعها.

(1) الحق الدستوري للوزير في الرد على الاستجواب

لقد أثبتت التجربة الديموقراطية، كما تثبت دائماً، أن النظام الدستوري في الكويت قادر، بأدواته الذاتية على أن يمتص الصدمات ويتجاوز الأزمات، التي تطرأ من آن إلى آخر في العلاقة بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، وهي علاقة تتسم بالحراك السياسي الدائم، وبالحيوية المتدفقة، التي تثير لدى الفقه الدستوري في كل يوم، قضية دستورية جديدة، تتجادل فيها الآراء جدلاً يفتح لدى الباحثين آفاق البحث والاجتهاد، في تفسير النصوص الدستورية، والتعرف على مقاصد المشرع الدستوري فيها.

وقد طرحت الأحداث الدستورية الأخيرة تساؤلات عدة كانت موضع إجابات مختلفة، وتفسيرات شتى واستنتاجات حاول أصحابها بناءها على تحليلات سياسية، لا أملك أدواتها، إلا أن ما استوقفني هو بعض القضايا الدستورية التي طرحتها هذه الأحداث، والتي كان من شأنها أن تخلق أزمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، رأى معها معالي وزير المالية الأسبق أن يجنب السلطتين الدخول في نفقها المظلم بتقديم استقالته من الوزارة التي عين فيها بعد التعديل الوزاري.

وهي قضايا تتعلق بالحق الدستوري للوزير في الرد على الاستجواب، ومدى حق المجلس في استمرار مناقشة الاستجواب، بالرغم من هذا التدوير، ومدى حق المجلس في منح أو حجب الثقة بالوزير بعد تدويره، ومدى جواز أن يكون هذا التدوير محلاً لاستجواب، وهو ما سوف نتناوله تباعاً بدءاً بالقضية الأولى، التي سنتناولها في هذا المقال.

وأول ما يتبادر في تناولنا لهذه القضية أن الاستجواب اتهام للوزير وغيره من المسؤولين التابعين له، والذين يتحمل أمام البرلمان مسؤوليتهم السياسية، ونقد وتجريح لسياسته ورقابته على أعمال هؤلاء المسؤولين، وتنديد بكل ذلك، الأمر الذي ينشئ للوزير حقاً دستورياً في الرد على هذا الاتهام وتفنيده بما يناسب ذلك من أدلة.

بل إن هذا الحق يصبح واجباً عليه، وقد تلقفت الصحافة هذه الاتهامات ونشرتها في أولى صفحاتها تحت عناوين ومانشتات بارزة، وتداولها المواطنون في دواوينهم ما بين مصدق لها أو مكذب، أو لم يحدد موقفه في انتظار مناقشة الاستجواب ورد الوزير عليه، بل ويصبح هذا، الواجب عبئاً مضاعف الأثقال على الوزير، وقد تناقلت هذه الاتهامات وكالات الأنباء والقنوات الفضائية في عالم أصبح قرية صغيرة.

وهو ما حدا بالدكتور/ عبدالله المعتوق، وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية الأسبق أن يعلن على صفحات الصحف، حرصه على الرد على كل محاور الاستجواب المقدم له، وأن قبول استقالته لن يمنعه من الرد عليه، في مؤتمر أو اجتماع سوف يدعو إليه.

وإن كان حق الوزير في الرد، هو حق نصّت عليه اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، فإنه حق مستمد من حقوق الحريات العامة والحقوق الأساسية، وهو حق الدفاع، بل إن بعضهم يرقى بحق الدفاع إلى اعتباره أصل الحريات جميعها، لأن الإنسان لا يستطيع أن يمارس حرياته بغير حريته في الدفاع عنها في مواجهة ما يتعرض له من اتهامات.

وهو حق تفرضه حماية العدالة، التي هي الأصل في كل محاكمة سياسية أو جزائية أو تأديبية، التي يهيمن عليها جميعاً قوله تعالى «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، وقوله جلت قدرته «وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، إن الله يحب المقسطين».

ويعزز حق الوزير في الرد وحقه في الدفاع عن نفسه، الحق الدستوري المقرر له في طلب طرح الثقة بنفسه إعمالاً لأحكام المادة 102 من الدستور، في الوقت الذي لا يستطيع طلب طرح الثقة بالوزير أقل من عشرة أعضاء، طبقاً لأحكامها.

ولهذا كان رأيي، الذي أبديته في حينه، أن لوزير الداخلية الشيخ/ محمد الخالد الحق في الرد على الاستجواب الموجه إليه، بعد انسحاب مقدمه من الجلسة لعقدها بصفة سرية، وهي الجلسة المعقودة بتاريخ 16/7/1998، إلا أن البادي أن الاعتبارات التي أملت على المجلس، بأغلبية تقرب من ثلثي أعضائه، الموافقة على طلب عقد الجلسة بصفة سرية، هي التي كانت وراء القرار الصعب بنزول الوزير عن حق الرد تقديراً من معاليه لهذه الاعتبارات، ليتحمل وحده الضرر الخاص دفعاً للضرر العام.

وجدير بالذكر أن دستور الكويت قد كفل للوزير الضمانات الضرورية كافة لتوفير حقه في الدفاع وفي الرد على الاستجواب، في حين نصت عليه نصوصه ونصوص اللائحة الداخلية من عدم جواز مناقشة الاستجواب إلا بعد ثمانية أيام من تاريخ تقديمه أو موافقة الوزير في حالة الاستعجال، وعدم جواز التصويت على طلب طرح الثقة بالوزير قبل سبعة أيام من تقديمه، إثر مناقشة الاستجواب المقدم إليه، وأن يأذن رئيس المجلس، قبل التصويت لاثنين من المؤيدين واثنين من المعارضين بالكلام ما لم يأذن المجلس لأكثر من هؤلاء بالكلام.

ومن هنا كان من تداعيات التدوير حرمان الوزير من حقه في الرد على الاستجواب وفي الدفاع عن نفسه.

back to top