ما قل ودل: تأجيل اجتماعات المجلس
يوم الاثنين الماضي وفي هذه الزاوية وتحت عنوان «لماذا تُتهم الحكومة دائما بالتأزيم وعدم التعاون؟! كتبت مقالاً طرحت في آخره السؤال الذي حمله عنوان المقال وأضفت إليه «عندما تستخدم الحكومة أبسط حقوقها الدستورية، ولا يتهم المجلس بذلك عندما يستخدم بعض أعضائه أخطر حقوقه وأدواته الدستورية؟».تفعيل الحقوق الدستورية:
وكان الهدف من سؤالي هو أنه لا يجوز أن يوصم استخدام الحقوق الدستورية في أي من الحالتين بالتأزيم وعدم التعاون، شريطة ألا يبتر الحق عن غايته أو يجرد من المصلحة التي شرع لها أو أن يتخذ وسيلة لتحقيق غرض ينافي الغرض الذي رسمه الدستور لاستخدامه، وأنه إذا كان من شأن تحقيق المصلحة المشروعة من استخدام حق دستوري نتائج ضارة على العلاقة بين السلطتين، فقد وقع التناقض مع قصد المشرع الدستوري.الاحتكام إلى رئيس الدولة:ولهذا حرص الدستور على أن يجنب الممارسة الديموقراطية الوقوع في هذا التناقض، عندما جعل الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره العمود الفقري للدستور، وأن يكون رئيس الدولة أباً لأبناء الوطن جميعاً، يحتكمون إلى سموه عندما يقع الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما جسدته المادة (102) من الدستور، إذا رأى مجلس الأمة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، فيرفع مجلس الأمة الأمر إلى رئيس الدولة، الذي يملك صلاحية إعفاء الحكومة وتعيين حكومة جديدة أو حل مجلس الأمة.إلا أن الاحتكام إلى رئيس الدولة، لا يختص بهذه الحالة وحدها، بل هو حق كذلك للحكومة، عندما ترى عدم إمكان التعاون مع مجلس الأمة، إذ يدخل ذلك في عموم نص المادة (107) من الدستور التي قررت الحق للأمير في حل مجلس الأمة، وأن الغاية من إيراد الاحتكام إلى رئيس الدولة في المادة (102) أن يكون بديلاً لطرح الثقة، وهو ما كشفت عنه هذه المادة عندما استهلت أحكامها بأنه «لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة ولا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به».تسبيب الحكومة استقالتها: ولهذا كانت غضبة بعض أعضاء مجلس الأمة على الحكومة بسبب تسبيب استقالتها واتهامها بالتأزيم، وتلويحهم بأن المجلس القادم لن يتعاون مع هذه الحكومة بسبب ما دونته في هذه الاستقالة من أسباب، هو أمر بادي الغرابة، لسببين، أولهما، أنه لا يمكن لحكومة بكاملها أن تستقيل لظروف خاصة، بل إنه يقع عليها واجب عندما تحتكم إلى رئيس الدولة هو أن تسبب استقالتها، مثلما يقع على مجلس الأمة واجب تسبيب قراره بعدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وإلا عدنا إلى السؤال الذي طرحناه من قبل، لماذا تُتهم الحكومة دائماً بالتأزيم عندما تستخدم الحكومة حقاً دستوريا لها، ثانيهما، أن الأسباب التي تدونها الحكومة في استقالتها سوف تدخل ضمن العناصر التي يبني عليها رئيس الدولة استخدام صلاحيته الدستورية في قبول الاستقالة أو حل مجلس الأمة، كما سوف تكون هذه الأسباب كذلك تحت نظر الناخب وفي وعيه وضميره عندما يدلي بصوته في الانتخابات التي توجب المادة (107) من الدستور إجراءها خلال ستين يوماً من تاريخ حل المجلس.الحل قد لا يقدم حلاً:إلا أن حل مجلس الأمة قد لا يقدم حلاً لكثير من الأزمات السياسية التي تقع بين السلطتين، عندما يكون الخلاف بين السلطتين على ما يسمى بالقرارات الشعبية، والتي تكون الحكومة قد تحفظت عليها لتأثيرها سلباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو على احتياطى الأجيال القادمه، وغالباً ما ينحاز الناخب بحكم مصالحه الآنية، في التصويت للنواب الذين أيدوا هذه القرارات، ويحجب صوته عن النواب الذي أيدوا الحكومة في تحفظها عليها لقناعتهم بسلامة الأسباب التي بنت عليها الحكومة تحفظها، فتختفي هذه الفئة من المجلس القادم وتحل محلها فئة أخرى تعلمت من هذا الدرس وأعطت وعودها للناخبين بتأييد هذه القرارات، وسوف تلتزم بذلك في كل القرارات المماثلة، بما يخلق مزيداً من الأزمات.تأجيل اجتماعات المجلس:ولهذا لا تعتبر مصادفة أن تأتي المادة (106) من الدستور في الترتيب بعد المادة (107) التي تجيز حل المجلس، بل كان هذا الترتيب مقصوداً ومتناغماً مع التدرج في استخدام الصلاحيات الدستورية لرئيس الدولة، ذلك أن تأجيل اجتماعات مجلس الأمة الذي تنص عليه المادة (106) من الدستور، قد يقدم حلاً بديلاً وناجحاً في كثير من ظروف الأزمات، بما تتيحه فترة التأجيل من مشاورات بين السلطتين حول الموضوعات محل الخلاف، ولتعرض كل منهما وجهة نظرها في هذه الموضوعات والخيارات المطروحة لحل الخلاف حولها، وأن يتنازل كل من الطرفين عن بعض ما يبتغيه أملاً في الوصول إلى حل وسط، يحفظ لكل من الطرفين هيبته ومكانته ويحقق المصلحة العامة التي هي غاية الجميع.ومن المؤكد أن كلا الطرفين سوف يضع توجيهات صاحب السمو في مكانها اللائق بها في هذه المشاورات.وفي حدود علمي فإن نص المادة (106) من الدستور فيما قرره من صلاحية الأمير الدستورية في تأجيل اجتماعات مجلس الأمة، لم يستخدم طيلة الحياة البرلمانية، بالرغم من الضمانات التي وفرها هذا النص لاستقرار الحياة البرلمانية مع إزالة أسباب التوتر والأزمات التي تحدث من آن إلى آخر بين السلطتين، ومن هذه الضمانات ما تنص عليه المادة (106) من ألا تجاوز مدة التأجيل شهراً، وألا يتكرر التأجيل في دور الانعقاد إلا بموافقة مجلس الأمة وللمدة التي يحددها المجلس.وهو ما يجب معه أن يتبوأ تأجيل اجتماعات المجلس مكانه في الممارسة الديموقراطية لإزالة أسباب الاحتقان السياسي بين السلطتين، وهو الاحتقان الذي يؤجج الشارع، ويفقد المواطن ثقته في الديموقراطية.