كل ما يقوم به أحمدي نجاد و«يتقنه»، هو أنه يتمرد على بروتوكول الرؤساء ولغتهم الخشبية! ويتحدث بلغة الناس العاديين! هذا ماقاله لي يوما الشاعر الكبير محمود درويش، لافتاً إلى أنه ليس من وظائف الرئيس أن يتحدث بلغة أهل «الشارع».
غريب أمر «بان كي مون» هذا، تماماً كما كان الأمر مع سلفه«كوفي أنان»، وهي الغرابة التي تنطبق على غالبية الأمناء العامين للأمم المتحدة، وأغلب المسؤولين الدوليين حتى تنتهي مدة ولايتهم، أو عندما ترفض أميركا تمديد بقائهم في المنصب لخروجهم على«التقاليد والأعراف» المتبعة في التعبير عن أحاسيسهم، فضلاً عن تنظيم تصريحاتهم! ولا غرابة في هذا الأمر الأخير بعد أن صارت أميركا هي«المجتمع الدولي»، و«المجتمع الدولي» هو أميركا!
والغريب من أمر «بان كي مون»، الذي نحن بصدد الإشارة إليه، هو تصريحه الأخير العجيب الغريب عن«صدمته»! التي لا توصف حول تصريحات أحمدي نجاد الجديدة القديمة حول «زوال دولة إسرائيل»، فأنا شخصيا، وأظن العشرات من ملايين الاحرار في العالم، فضلا عن أمثالهم من العرب والمسلمين بالطبع، بل وحتى المئات من يهود العالم ويهود إسرائيل بالذات، هم بدورهم لايفقهون سبب صدمة «بان كي مون» هذا، من ذلك التصريح، في الوقت الذي غدا بمثابة المقولة و«النبوءة العلمية»التي بات يتحدث عنها الجميع حتى داخل الكيان الصهيوني، بل ومن«عظام الرقبة» في جسم هذا الكيان، كما يقال. خذ مثلا آخر تصريح لرئيس الكنيست الإسرائيلي ابراهام بورغ حين قال: «إن كياننا بات دولة معزولة تحمل بذور فنائها في ذاتها، ومثل هذا اليوم لم يعد بعيداً ما لم........»! وليقارن «بان كي مون» بين القولين، ويتفضل بعد ذلك، هو وغيره من المستغربين والمصدومين من كل ما يقوله احمدي نجاد، وغير احمدي نجاد، وهم كثر بالمناسبة، بل هم الأكثرية الساحقة من سكان العام، إلا أن الإعلام لا يذكرهم فيما يركز«عدساته واهتمامه» على«بان كي مون» «البطل الإنساني»، وهو يستنكر تصريحات أحمدي نجاد التحليلية. في حين أن الإنسانية عطشى لـ «صدمة» واحدة فقط من «بان كي مون» هذا، أو من أمثاله مما يقوم به المتوحشون الصهاينة يومياً ضد شعب بريء لاذنب له إلا أنه متشبث بأرضه، ولا يوافق على المؤامرة الدولية لبيعها، وبيعه معها في المزاد العلني!
إن أحمدي نجاد لا يأتي بجديد! عندما يتحدث عن هذا الكيان الغاصب والفاقد للشرعية - أية شرعية- مهما حاول العتاة من طلاب الحروب أن يمنحوه إياها، فتقادم الزمن لا يمنح لأحد حقاً!
كل ما يقوم به أحمدي نجاد و«يتقنه»، هو أنه يتمرد على بروتوكول الرؤساء ولغتهم الخشبية! ويتحدث بلغة الناس العاديين! هذا ماقاله لي يوما الشاعر الكبير محمود درويش، لافتاً إلى أن ليس من وظائف الرئيس أن يتحدث بلغة أهل «الشارع»! وهذا ما أنكره عليه رئيس عربي كبير أثناء لقاء خاص معه، مردداً أكثر من خمس مرات بأنه «يذكره بجمال عبد الناصر» في الوقت الذي هو ليس وقت جمال! وهذا ما يجعل ابنة جمال «منى» تعجب به، وتطلب نقل هذه الأحاسيس والمشاعر له، وهذا ما يجعل مفكرا ليبراليا علمانيا سعوديا يعجب به أيضا، ويدفعه لطلب ملاقاته لتحيته، وهذا ما يجعل عالمة لبنانية من أهل العرفان والتصوف، تقول برغم انها لاتجد في أحمدي نجاد ما يجذب، إنه «يتسلل إلى داخلي دون استئذان».
لست هنا في مقام القاضي أو المقوم لعمل الرؤساء! لكن أحمدي نجاد لم يجيش الجيوش ضد أحد، ولم يرسل قواته لاغتصاب النساء والرجال والأطفال، ويسرق مصوغاتهن، وينهب الأموال العامة، ويقتل، ويعتدي هكذا، وبكل صلافة وعنجهية ووقاحة وخسة ونذالة، كما أنه لم يعتقل من يشاء، ويعين من يشاء، ويفرض القانون الذي يشاء على الشعب، ولا يصدم كل هذا فخامة السيد «بان كي مون»، ولا تهتز له شعرة ! كيف يحصل كل هذا لولا أن «السيد» المتحكم بهذا الكون رجل لا يرضى بشيء، أو على أحد إلا من له «غاية في نفس يعقوب»؟ !
كاتب إيراني