المؤتمر الدولي للمراحيض!
لا شك أن الذين نظموا وأقاموا المؤتمر الدولي للمراحيض، وهو يأتي ضمن سلسلة مؤتمرات ربما كان هذا الأخير سابعها، قد أسهموا في إيجاد حلول عملية لمشاكل مزمنة يهملها الكثيرون ويعانيها الفقراء المعدمون بالدرجة الأولى، إذ يفتقد 2.6 مليار إنسان على مستوى العالم يفتقدون أو ليس لديهم مراحيض.
قد يتصور بعضهم أن في الأمر شيئا من الدعابة، كما قد يرى آخرون أن عقد مؤتمر دولي يبحث في المراحيض، أنما يعبر عن ترف فكري، أو أن القائمين عليه قد فرغوا من الموضوعات المهمة، وبالتالي وجدوا ضالتهم في عقد مؤتمر عن المراحيض، ولعل الأمر يتجاوز تلك الفكرة وهذا التبسيط، فحسب الأمم المتحدة، هناك ما يزيد على مليارين وستمئة مليون من البشر على مستوى العالم يفتقدون أو ليس لديهم مراحيض، ولتقريب المسألة فليتخيل كل منا لو أن حمامه، الذي يستخدمه يومياً لأغراض مختلفة، قد تعطل عن العمل لمدة يوم واحد، فكيف ستكون الحال؟ وكيف سيتصرف؟ وإلى أين سيذهب؟! لاشك أننا في بلد كالكويت، التي قد يكون لديها أكبر معدلات حمامات منزلية في العالم، نتعامل مع وجود الحمامات كمسلَّمات وبديهيات. وقد كانت الصدمة لنا عندما تعرضنا للأسر في العراق، وكان عددنا حينها 1182 أسيراً موزعين على أربع حظائر، أنه لم يوجد حمام واحد للتعامل مع احتياجات هذا العدد الكبير من البشر، وكانت العملية تتم بتنظيم متقن ابتداءً من الفجر حتى المغرب، حيث يخرج اثنان من الأسرى إلى الخلاء لإنهاء متطلبات الطبيعة، ولا يخرج غيرهما حتى يعودان، وبالتالي ينقضي اليوم أحياناً من دون أن يصل الدور الى بعضنا، وبعد مفاوضات مع آمر المعتقل الرائد كاظم قمنا بها أنا والصديق سعود العنزي، تسنى لنا تعديل بعض الشروط في المسألة «الحمامية».وإضافة إلى أوضاع السجون، فإن أوضاع مخيمات اللاجئين والنازحين تعاني الأمرين في هذه المسألة ففي إحدى زياراتي المتكررة للصومال، وتوقفي في أحد معسكرات النازحين، وكان عدد قاطني المعسكر يقارب الـ5 آلاف جُلهم من النساء والأطفال، تقدم لي القائمون على المعسكر بشكوى عدم وجود حمامات، وحيث ان المعسكر مجاور للمدينة فليس هناك خلاء للتعامل مع الوضع اضطرارياً. وبعد التحري والتقصي اكتشفت أن صاحب الأرض التي يقيم عليها النازحون قد أغلق الحمامات الستة التي كانت منظمة «اليونيسيف» قد شيدتها منذ أشهر عدة، وكانت حجته أنه لن يسمح للنازحين باستخدام تلك الحمامات حتى يقوموا بدفع إيجار للأرض، وبعد التفاوض اتضح أنه ليس لـ«اليونيسيف» ميزانية لدفع إيجار الأرض. وكان واضحاً أن صاحب الأرض يستخدم وسيلة ضغط شديدة بمنعه النازحين من استخدام الحمامات، واستطعنا بعد جهد جهيد أن نجد منظمة إيطالية خيرية تكفلت بالتسهيل على أولئك النازحين... وأي تسهيل كان.وهكذا... تولدت فكرة عقد المؤتمر الدولي للمراحيض الذي أنهى أعماله قبل يومين اثنين في العاصمة الهندية دلهي بمشاركة أكثر من 40 دولة والعديد من المهتمين بشأن المليارين والـ600 مليون من البشر الذين لا تتوافر لهم تلك الحاجة الأساسية، بل إن نماذج هندية رخيصة تم عرضها في إطار المؤتمر لتوفيرها للمحتاجين، وتنوعت وسائل الاستفادة من عملية دورة المياه وتكنولوجيتها لدرجة أن أحد الأساليب اتجه الى الاستفادة من «الفضلات الآدمية» لإنتاج الغاز أو ما يسمى «البيوغاز»، وهو أمر لا علاقة له بغازات المعدة، كما قد يتصور بعضهم، حيث أمكن استخدام «البيوغاز» في الطبخ.لا شك أن الذين نظموا وأقاموا مثل ذلك المؤتمر، وهو يأتي ضمن سلسلة مؤتمرات ربما كان هذا الأخير سابعها، قد أسهموا في إيجاد حلول عملية لمشاكل مزمنة يهملها الكثيرون ويعانيها الفقراء المعدمون بالدرجة الأولى. ولعل ذلك يدفعنا الى التفكير ملياً عندما نستخدم الحمام يومياً، بأن هناك قرابة نصف سكان الأرض لا يحصلون ولا يحلمون بالحصول على تلك «الرفاهية».