المعاقون...خطوة للأمام... ولكن!!
سيظل العالم للأسف - شئنا أم أبينا - ينظر إلى القوة كمعيار للتمايز بين البشر، أوَلم يقولوا بأن البقاء للأصلح؟ وربما عزز ذلك القول الاقتباس الاجتماعي السياسي لنظرية داروين، وتحويلها إلى مفهوم «الداروينية الاجتماعية»، والتي اندفع فيها عنصريو علم الاجتماع السياسي قائلين بالذهاب الى العنصر الارقى، وفناء العناصر الدُّنيا أو خضوعها، وأسس عليها جملة من السياسيين نظرياتهم الفاشية، بل قادوا العالم الى حروب مدمرة لم تُبق ولم تذر... ذهب نتاجها عشرات الملايين من البشر.وهكذا تندفع ثقافة المجتمعات وتتكون في نظرة دونية وتهميش وانتهاك حقوق أضعف الفئات داخل مكونات المجتمع، كائنا ما كانت مواطن الضعف تلك، ظاهرة أو مستترة، فأحيانا تكون دينية أو مذهبية وأحيانا تكون لغوية وأحيانا أخرى عنصرية وأحيانا مناطقية، وربما فئوية أو نوعية. وتأتي ايضا ضمن تلك الفئات التي تتعرض للتهميش فئات كالمرأة والطفل على سبيل المثال لا الحصر.
وتظل فئة المعاقين هي أشد الفئات التي تتعرض للاضطهاد والتمييز والاقصاء فالمرأة المعاقة أو الطفل المعاق أو «البدون» المعاق يتحمل اضطهادا مركبا ومعاناة مضاعفة عن اقرانه المضطهدين، ولا بد من مساندة تلك الفئة انطلاقا من حقوق الانسان وليس من نظرة العطف والشفقة. وكم كنت اشعر بفرح طفولي عندما ادخل محاضرتي في الجامعة فأجد ضمن طلابي وطالباتي من هو معاق فهي مؤشر على تحسّنٍ ما، وإن كان صغيرا، فالمجتمع الذي لا يحمي الضعيف ويسانده ليس بمجتمع انساني على الاطلاق.وفي هذا الإطار عقدت يوم أمس الجمعية الكويتية لأولياء أمور المعاقين حلقة نقاشية بشأن الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص من ذوي الإعاقة. وبصرف النظر عما دار في الحلقة من نقاشات وآراء فإن الجمعية والقائمين عليها يستحقان التحية والتقدير بخصوص هذه المبادرة. وفي المقابل فإن حكومة الكويت تستحق اللوم على تلكئها وتخلفها عن أخذ موضوع الانضمام إلى الاتفاقية على محمل الجد والتعامل معها من منظور سياسي، خصوصا أن أكثر من مئة دولة قد بادرت حتى الآن بإعلان انضمامها أو رغبتها في الانضمام.ويأتي صدور الاتفاقية كأول اتفاقية في القرن الحادي والعشرين معنية بحقوق الانسان المعاق ضمن المنظومة الدولية المدافعة عن حقوق الانسان، تلك المنظومة التي وُضعت أساسا لكف يد الحكومات التعسفية عن التعدي على البشر، بالإضافة الى تشجيعها ومؤازرتها في توفير السبل لحماية الناس وتأمين حياة كريمة لهم. فمنذ صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948، ثم العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تأسيساً للشرعة الدولية، برز اتجاه ملحوظ في التركيز على أضعف الفئات في المجتمعات والأكثر عرضة لانتهاك حقوقها، فكان أن صدرت الاتفاقية الدولية لمناهضة جميع أشكال التمييز العنصري عام 1965 ثم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1980، ثم اتفاقية مناهضة التعذيب عام 1984 ثم اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، ثم الاتفاقية الدولية لحقوق العمال المهاجرين عام 1990، وأخيرا وفي ذات السياق تأتي اتفاقية المعاقين. ومع أن الاتفاقية المذكورة قد تأخرت فعلا في الصدور إلا انها تميزت -إلى حد ما- عن سابقاتها إذ انها قد تشكلت وتكونت من خلال مشاركة واسعة للمعاقين أنفسهم وأولياء أمورهم وقطاعات واسعة من المنظمات غير الحكومية محليا ودوليا، إضافة الى منظمات حقوق الانسان والحكومات، حيث إنها هي المعنية بالتنفيذ.وربما يفسر ذلك أحد أسباب التأخر في صدورها، حيث مرت الاتفاقية بمحطات مضنية من المناقشات والمداولات حتى استقرت على ما هي عليه.وتشكل الاتفاقية بموادها الـ 43 البنية التحتية المنطقية لحماية المعاقين وتأمين مشاركتهم في المجتمع كبشر وليس كعالة، وضمان معاملتهم بوصفهم أفرادا لهم كامل الحقوق داخل المجتمع، بل إن الاتفاقية تذهب الى أبعد من ذلك حيث تضع التزاما قانونيا على المجتمع والدولة لحماية المعاقين، كمسؤولية قانونية وترفض الاتفاقية التعامل مع المعاقين انطلاقا من مبدأ «الاحسان» و«التفضل» السائدين في مجمل المجتمعات وبالتالي التعامل معهم استنادا الى مبادئ «حقوق الانسان».وفي حين غطت الاتفاقية المذكورة مجمل القضايا التي يعانيها المعاقون في العالم، فإنه بات لزاما على جميع الدول في العالم ومنها دولتنا «الحبيبة» وحكومتها «الرشيدة» أن تبادر بالتوقيع والمصادقة وتنفيذ ما جاء فيها من بنود من دون تأخير.وتبقى العقبة الكؤود التي يواجهها المعاق متجاوزة القوانين والاتفاقيات؛ حيث أنها موجودة في الثقافة الاجتماعية التي تمارس تمييزا مخجلا ضد المعاقين؛ وهي مسألة تحتاج إلى كثير من العمل الدؤوب لتغيير تلك الصورة النمطية وما الاتفاقية الدولية إلا بداية للطريق.