ما نحن بحاجة ماسة إليه الآن هو ترجمة البديل الديموقراطي من خلال المبادرة بتقديم رؤية استراتيجية تنموية وطنية شاملة لاستكمال بناء الدولة الدستورية العصرية، على أن تشارك فيها القوى كلها المؤمنة حقيقة بالنظام الديموقراطي وبالدستور، وتتشكل بناء عليها حكومة وحدة وطنية تخرجنا من الأزمة السياسية الراهنة.في ظل الأزمة السياسية المستمرة التي تعيشها البلاد وانعكست على مجالات الحياة جميعها، وفى ظل حالة «فقدان التوازن» التي تعانيها السلطتان التنفيذية والتشريعية، فان الكثير من المواطنين يتساءلون، بعد أن بلغ اليأس ببعضهم مداه، أما من مخرج؟ وهل عجز الكويتيون عن تحديد معالم الطريق للخروج من الأزمة الراهنة ؟
وقبل الإجابة على هذين السؤالين، لابد من التوقف قليلاً عند البحث عن الأسباب الحقيقية للأزمة الراهنة، حيث أنه من المستحيل وصف العلاج الناجع ما لم نحدد أسباب العلة أو العلل. وفي اعتقادنا، أن السبب الرئيسي لما نحن فيه الآن من أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية، ما هو إلا انحراف أو بالأحرى توقف مشروع بناء الدولة الدستورية الديموقراطية العصرية الذي انطلق بعد الاستقلال وإقرار الدستور. حيث بدأ هذا التوقف منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي من خلال البدء في التبشير والتأسيس لمشروع الدولة غير المدنية على حساب الدولة المدنية. فقد تم التحالف بين أطراف متنفذة في السلطة والقوى السياسية الدينية التي كانت قياداتها وأغلب كوادرها، في ذلك الوقت وربما لا تزال، من «علية القوم». هذا التحالف الذى عمل على تشويه النظام الديموقراطى واختزاله في مجلس الأمة بعد إفساد نظامه الانتخابي، ما أوجد مجالس للأمة يفتقد بعض أعضاءها النضج السياسي ويجهل الفرق بين الدستور واللائحة الداخلية للمجلس، ولا يؤمن بالديموقراطية، بل يعتبرها نظاماً دخيلاً لا بد من التخلص منه، مما سهّل من عملية استقطابه من خارج المجلس وإلهائه فى صراعات مصلحيه آنية على حساب المصالح الوطنية العامة، وخلق بيئة خصبة وثقافة، تكاد تكون عامة، للانتفاع الشخصي ونشر مفاهيم وقيم اجتماعية نفعية، من شاكلة «من صادها عشي عياله».
كما عملت هذه القوى المتحالفة على تفريغ الدستور من محتواه.. وبالتالي خلخلة أركان النظام الديموقراطي للدولة الدستورية العصرية من خلال تشجيعها للانتخابات الفرعية القبلية والطائفية والعائلية ومساهمتها فيها ونجاح أعضائها عن طريقها. لذا نمت في المجتمع النزعات الفئوية والعنصرية والتخندق الاجتماعي وضعف الوعي والغوغائية. ليس ذلك فحسب، بل عملت هذه القوى، ولا تزال، على محاربة القيم الديموقراطية كالحريات الشخصية والعامة التي تعتبر من أهم مظاهر المجتمع المدني الديموقراطي.
إذن... ما نراه ونلمسه الآن من مظاهر للأزمة العامة ما هو إلا دلائل على فشل هذا المشروع، وتعثر البديل غير المدني الذي تبنته هذه القوى المتحالفة. ما هو المخرج إذن؟
المخرج، فى رأينا، وكما بينا فى مقالات سابقة، هو تبنى البديل الديموقراطي لبناء الدولة الدستورية العصرية. هذا البديل المرتكز على دستور 1962 الذي يتساوى فيه المواطنون الأحرار ويسود القانون وتتوافر فيه العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة . والأمر لا يحتاج إلى كثير من التعقيد، فالكويت دولة صغيرة ولديها الكثير من المقومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن القوى البشرية المؤهلة والمميزة والقادرة على أن تجعل منها الدولة النموذج في المنطقة.
وحقيقة، ما نحن بحاجة ماسة إليه الآن هو ترجمة هذا البديل الديموقراطي من خلال المبادرة بتقديم رؤية إستراتيجية تنموية وطنية شاملة لاستكمال بناء الدولة الدستورية العصرية، على أن تشارك فيها القوى كلها المؤمنة حقيقة بالنظام الديموقراطي وبالدستور، وتتشكل بناء عليها حكومة وحدة وطنية تخرجنا من الأزمة السياسية الراهنة ويكون لها قبول وغطاء سياسي وشعبي واسع وحقيقي . ثم تتولى هذه الحكومة، بعد ذلك، تحويل الرؤية الإستراتيجية لخطط وبرامج وسياسات عامة مقبولة اجتماعياً وسياسياً وقابلة للتنفيذ ضمن مدد زمنية محددة.
بالتأكيد سيكون هنالك بعض الصعوبات والمشاكل، لكن بالرؤية الواضحة والإرادة والتصميم تستطيع، أو بالأحرى، استطاعت دول ليس لديها إمكانياتنا، من أن تقفز قفزات تنموية مذهلة.
فهل من مبادرة؟